وغلبت إرادته إرادتنا ، ولكنّه تعالى أراد منّا أن نفعل نحن الطاعة اختيارا ، فلا يدلّ عدم وقوعها منّا على نقصه وضعفه ، كما لا يدلّ عدمُ وقوع ما أمر به على ضعفه ونقصه .
ثم قال عليه السلام : « كلّ سرّ عندك علانية » ، أي لا يختلف الحال عليه في الإحاطة بالجهر والسرّ ؛ لأ نّه عالم لذاته ، ونسبة ذاته إلى كلّ الأُمور واحدة . ثم قال : « أنت الأبد فلا أمدَ لك » ، هذا كلام عُلْويّ شريف ، لا يفهمه إلاّ الراسخون في العلم ، وفيه سِمَة من قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « لا تسبّوا الدهر ، فإن الدهر هو اللّه » ، وفي مناجاة الحكماء لمحة منه أيضا ، وهو قولهم : « أنت الأزل السَّرْمد وأنت الأبد الَّذي لا ينفد » ، بل قولهم : « أنت الأبَد الذي لا ينفد » ، هو قوله : « أنت الأبد فلا أمَد لك » ، بعينه ، ونحن نشرحه هاهنا على موضوع هذا الكتاب ، فإنه كتاب أدب لا كتاب نظر ، فنقول : إن له في العربية محمليْن :
أحدهما : أنّ المراد به : أنت ذو الأبد ، كما قالوا : رجل خالٍ ، أي ذو خال ؛ والخال : الخُيَلاء .
والمحمل الثاني : أ نّه لما كان الأزل والأبد لا ينفكَّان عن وجوده سبحانه ، جعله عليه السلام كأنّه أحدهما بعينه .
وقوله : « فلا منجى منك إلاّ إليك » قد أخذه الفرزدق فقال لمعاوية :
إليك فررتُ منك ومن زيادٍولم أحسب دَمِي لَكُمَا حلالاَ ۱
ثم استعظم واستهول خلْقه الذي يراه ، وملكوته الذي يشاهده ، واستصغر واستحقر ذلك ، بالإضافة إلى قدرته تعالى ، وإلى ما غاب عَنّا من سلطانه . ثم تعجّب من سُبوغ نعمه تعالى في الدنيا ، واستصغر ذلك بالنسبة إلى نعم الآخرة ، وهذا حقّ ؛ لأ نّه لا نسبة للمتناهي إلى غير المتناهي .
الأصْلُ :
۰.ومنها :مِنْ مَلاَئِكَةٍ أَسْكَنْتَهُمْ سَمَاوَاتِكَ ، وَرَفَعْتَهُمْ عَنْ أَرْضِكَ؛ هُمْ أَعْلَمُ خَلْقِكَ بِكَ ، وَأَخْوَفُهُمْ لَكَ ، وَأَقْرَبُهُمْ مِنْكَ؛ لَمْ يَسْكُنُوا الْأَصْلاَبَ ، وَلَمْ يُضَمَّنُوا الْأَرْحَامَ ، وَلَمْ