وقوله : « ولكل أجل كتاب » أظنه منقطعا أيضا عن الأول مثل الفصل الذي تقدم ، وقد كان قبله ما ينطبق عليه ويلتئم معه لا محالة . ويمكن على بعد أن يكون متصلاً بما هو مذكور هاهنا . وقوله : « ولكل غيبة إياب » قد قاله عبيد بن الأبرص ، واستثنى من العموم الموت ، فقال :
وكلِّ ذي غَيْبَةٍ يئوبُوغائب الموت لا يئوبُ
وهو رأي زنادقة العرب ؛ فأمّا أمير المؤمنين ، وهو ثاني صاحب الشريعة التي جاءت بعوْد الموتى ، فإنه لا يستثنى ، ويحمّق عُبيداً في استثنائه . والربانيّ : الذي أمرهم بالاستماع منه ؛ إنما يعني به نفسَه عليه السلام ، ويقال : رجل ربانيّ أي متأله عارف بالربّ سبحانه . وفي وصف الحسَن لأمير المؤمنين عليه السلام : « كان واللّه ربانيّ هذه الأُمّة وذَا فضلها ، وذا قرابتها ، وذا سابقتها » . ثم قال : وأحضروه قلوبكم ، أي اجعلوا قلوبكم حاضرةً عنده ، أي لا تقنعوا لأنفسكم بحضور الأجساد وغيبة القلوب ، فإنّكم لا تنتفعون بذلك . وهتف بكم : صاح . والرائد : الذي يتقدَّم المنتجعين لينظر لهم الماء والكلأ . وفي المثل : الرائد لا يكذب أهله .
وقوله : « وليجمع شمله » ، أي وليجمع عزائمه وأفكاره لينظر ، فقد فَلَق هذا الربانيّ لكم الأمر ، أي شقَّ ما كان مبهما ، وفتح ما كان مغلقا ، كما تفلق الخرزة فيعرَف باطنها . وقَرَفه ، أي قشره ، كما تقشر الصمغة عن عود الشجرة ، وتقلع .
الأصْلُ :
۰.فَعِنْدَ ذلِكَ أَخَذَ الْبَاطِلُ مَآخِذَهُ ، وَرَكِبَ الْجَهْلُ مَرَاكِبَهُ ، وَعَظُمَتِ الطَّاغِيَةُ ، وَقَلَّتِ الدَّاعِيَةُ ، وَصَالَ الدَّهْرُ صِيَالَ السَّبُعِ الْعَقُورِ ، وَهَدَرَ فَنِيقُ الْبَاطِلِ بَعْدَ كُظُومٍ ، وَتَوَاخَى النَّاسُ عَلَى الْفُجُورِ ، وَتَهَاجَرُوا عَلَى الدِّينِ ، وَتَحَابُّوا عَلَى الْكَذِبِ ، وَتَبَاغَضُوا عَلَى الصِّدْقِ .فَإِذَا كَانَ ذلِكَ كَانَ الْوَلَدُ غَيْظاً ، وَالْمَطَرُ قَيْظاً ، وَتَفِيضُ اللِّئَامُ فَيْضاً ، وَتَغِيضُ الْكِرَامُ غَيْضاً ، وَكَانَ أَهْلُ ذلِكَ الزَّمَانِ ذِئَاباً ، وَسَلاَطِينُهُ سِبَاعاً ، وَأَوْسَاطُهُ أُكَّالاً ، وَفُقَرَاؤهُ أَمْوَاتاً؛ وَغَارَ الصِّدْقُ ، وَفَاض الْكَذِبُ ، وَاسْتُعْمِلَتِ الْمَوَدَّةُ بِاللِّسَانِ ، وَتَشَاجَرَ النَّاسُ بِالْقُلُوبِ ، وَصَارَ الْفُسُوقُ نَسَباً ، وَالْعَفَافُ عَجَباً ، وَلُبِسَ الاْءِسْلاَمُ لُبْسَ الْفَرْوِ مَقْلُوباً .