369
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

المضاف ، ومعنى تفرّقهم ، أنهم يدعون إلى تلك الدعوة المخصوصة في بلاد متفرقة ، أي تفرق ذلك الجمع العظيم في الأقطار ، داعين إلى أمرٍ واحد . ويروى « بشُعَبها » جمع شُعْبَة .
وتقدير « تكيلكم بصاعها » تكيل لكم ، فحذف اللام ، كما في قوله تعالى : « وإذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ » ۱ أي كالوا لهم ، أو وزنوا لهم ؛ والمعنى تحمِلكم على دينها ودعوتها ، وتعاملكم بما يعامل به من استجاب لها . ويجوز أن يريد بقوله : « تكيلكم بصاعها » يقهركم أربابها على الدخول في أمرهم ، ويتلاعبون بكم ، ويرفعونكم ويضعونكم كما يفعل كيال البرّ به إذا كاله بصاعه .
وتخبطكم بباعها : تظلمكم وتعسفكم ، قائدها ليس على ملَّة الإسلام بل مقيم على الضلالة ، يقال : ضلَّة لك ، وإنه ليلومني ضَلَّة ، إذا لم يوفَّق للرشاد في عَذَله . والثفالة : ما ثفل في القِدْر من الطبيخ . والنُّفاضة : ما سقط من الشيء المنفوض . والعِكْم : العِدْل ، والعِكم أيضا نمَطٌ تجعل فيه المرأة ذخيرتها . وعركت الشيء : دلكته بقوة . والحصيد : الزرع المحصود .
ومعنى استخلاص الفتنة المؤمن أنها تخصّه بنكايتها وأذاها ، كما قيل : المؤمن مُلقّى والكافر مُوقّى . وفي الخبر المرفوع : « آفات الدنيا أسرعُ إلى المؤمن من النار في يَبيس العَرْفَج » .

الأصْلُ :

۰.أَيْنَ تَذْهَبُ بِكُمُ الْمَذَاهِبُ ، وَتَتِيهُ بِكُمُ الْغَيَاهِبُ وَتَخْدَعُكُمُ الْكَوَاذِبُ ؟ وَمِنْ أَيْنَ تُؤتَوْنَ ؟ وَأَنَّى تُؤفَكُونَ ؟ فَلِكُلِّ أَجَلٍ كِتَابٌ ، وَلِكُلِّ غَيْبَةٍ إِيَابٌ . فَاسْتَمِعُوا مِنْ رَبَّانِيِّكُمْ، وَأَحْضِرُوهُ قُلُوبَكُمْ، وَاسْتَيْقِظُوا إِنْ هَتَفَ بِكُمْ . وَلْيَصْدُقْ رَائِدٌ أَهْلَهُ ، وَلْيَجْمَعْ شَمْلَهُ ، وَلْيُحْضِرْ ذِهْنَهُ ، فَلَقَدْ فَلَقَ لَكُمُ الْأَمْرَ فَلْقَ الْخَرَزَةِ ، وَقَرَفَهُ قَرْفَ الصَّمْغَةِ .

الشّرْحُ :

الغياهب : الظلمات ، الواحد غَيهب . وتتيه بكم : تجعلكم تائهين ، عدّى الفعل اللازم بحرف الجر ، كما تقول في ذهب : ذهبت به . والتائه : المتحيّر . والكواذب هاهنا : الأمانيّ .

1.سورة المطففين ۳ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
368

نقصهم ؛ لأنّ الروح غير ذات الجسد ناقصة عن الاعتمال والتحريك اللذين كانا من فعلها حيث كانت تدير الجسد . ونسّاكاً بلا صلاح ، نسبهم إلى النفاق . وتجارا بلا أرباح ، نسبهم إلى الرياء وإيقاع الأعمال على غير وجهها . ثم وصفهم بالأُمور المتضادة ظاهرا ، وهي مجتمعة في الحقيقة ، فقال : أيقاضاً نوّماً ؛ لأنهم أُولو يقظة ، وهم غفول عن الحق كالنيام ، وكذلك باقيها ، قال تعالى : « فَإنَّهَا لاَ تَعْمَى الْأَبْصَارُ وَلَكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتي فِي الصُّدُورِ» ۱ .

الأصْلُ :

۰.رَايَةُ ضَلاَلٍ قَدْ قَامَتْ عَلَى قُطْبِهَا ، وَتَفَرَّقَتْ بِشُعَبِهَا ، تَكِيلُكُمْ بِصَاعِهَا ، وَتَخْبِطُكُمْ بِبَاعِهَا. قَائِدُهَا خَارجٌ مِنْ الْمِلَّةِ ، قَائِمٌ عَلَى الضَّلَّةِ ؛ فَـلاَ يَبْقَى يَوْمَئِذٍ مِنْكُمْ إِلاَّ ثُفَالَةٌ كَثُفَالَةِ الْقِدْرِ ، أَوْ نُفَاضَةٌ كَنُفَاضَةِ الْعِكْمِ ، تَعْرُكُكُمْ عَرْكَ الْأَدِيمِ ، وَتَدُوسُكُمْ دَوْسَ الْحَصِيدِ ، وَتَسْتَخْلِصُ الْمُؤمِنَ مِنْ بَيْنِكُمُ اسْتِخْـلاَصَ الطَّيْرِ الْحَبَّةَ الْبَطِينَةَ مِنْ بَيْنِ هَزِيلِ الْحَبِّ .

الشّرْحُ :

هذا كلام منقطع عَمّا قبله ؛ لأنّ الشريف الرضيّ ؛ كان يلتقط الفصول التي في الطبقة العليا من الفصاحة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام فيذكرُها ، ويتخطّى ما قبلها وما بعدها ، وهو عليه السلام يذكر ها هنا ما يحدُث في آخر الزمان من الفتن ، كظهور السّفيانيّ وغيره ۲ .
والقطب في قوله عليه السلام : « قامت على قطبها » : الرئيس الذي عليه يدور أمرُ الجيش . والشَّعْب : القبيلة العظيمة ، وليس التفرّق للراية نفسها ، بل لنصّارها وأصحابها ، فحذف

1.سورة الحج ۴۶ .

2.ولعل المراد بقوله : راية ضلال ، أي هذه راية ضلال ، وأراد ما قرب ظهوره من قيام دولة بني أميّة ، فهو الموجود المشار إليه . ومعاوية هو المعني بقوله عليه السلام : « قائدها خارج عن الملّة ، قائم على الضَّلَّة » ثم يسود الضلال ، ويستفحل أمره ، ويمتد ويسيطر في جميع زمن بني أُميّة وبني العباس وما بعدهما ؛ لأنها دعوة واحدة في الضلال ، وكلّهم مجتمعون على عداوة آل الرسول صلى الله عليه و آله وسلم وشيعتهم ، وقتلهم وتشريدهم ، وتكذيبهم .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8732
صفحه از 712
پرینت  ارسال به