لا يدفع عنكم ما تشكون منه ؛ وإنما ينقض برأيه الفاسد ما قد أبرمه الحقّ والشرع لكم . ثم ذكر أ نّه ليس على الإمام إلاّ ما قد أوضحه من الأُمور الخمسة .
ثم أمرهم بمبادرة أخذ العلم من أهله ـ يعني نفسَه عليه السلام ـ قبل أن يموت ، فيذهب العلم . وتصويح النَّبْت ، كناية عن ذلك . ثم قال : وقبل أن تشغَلُوا بالفتَن وما يحدث عليكم من خطوب الدنيا عن استثارة العلم من معدنه واستنباطه من قرارته . ثم أمرهم بالنّهي عن المنكر ، وأن يتناهوْا عنه قبل أن يُنْهَوْا عنه ، وقال : إنما النهيُ بعد التناهي .
وفي هذا الموضع إشكال ، وذلك أنّ لقائل أن يقول : النهي عن المنكَر واجب على العدْل والفاسق ، فكيف قال : « إنما أُمرتم بالنهي بعد التناهي » .
والجواب : أنه عليه السلام لم يردْ أن وجود النهي عن المنكر مشروط بانتهاء ذلك الناهي عن المنكَر ؛ وإنما أراد : أنّي لم آمركم بالنهي عن المنكر إلاّ بعد أن أمرتُكم بالانتهاء عن المنكر ؛ فالترتيب إنّما هو في أمره عليه السلام لهم بالحالتين المذكورتين ؛ لا في نهيهم وتناهيهم .
فإن قلت : فلماذا قدم أمرَهم بالانتهاء على أمرهم بالنهى؟
قلت : لأنّ إصلاح المرء نفسه أهمّ من الاعتناء بإصلاحه لغيره .
۱۰۵
الأصْلُ :
۰.ومن خطبة له عليه السلامالْحَمْدُ للّه الَّذِي شَرَعَ الاْءِسْلاَمَ فَسَهَّلَ شَرَائِعَهُ لِمَنْ وَرَدَهُ ، وَأَعَزَّ أَرْكَانَهُ عَلَى مَنْ غَالَبَهُ ، فَجَعَلَهُ أَمْناً لِمَنْ عَلِقَهُ ، وَسِلْماً لِمَنْ دَخَلَهُ ، وَبُرْهَاناً لِمَنْ تَكَلَّمَ بِهِ ، وَشَاهِداً لِمَنْ خَاصَمَ عَنْهُ ، وَنُوراً لِمَنِ اسْتَضَاءَ بِهِ ، وَفَهْماً لِمَنْ عَقَلَ ، وَلُبّاً لِمَنْ تَدَبَّرَ ، وَآيَةً لِمَنْ تَوَسَّمَ ، وَتَبْصِرَةً لِمَنْ عَزَمَ ، وَعِبْرَةً لِمَنِ اتَّعَظَ ، وَنَجَاةً لِمَنْ صَدَّقَ ، وَثِقَةً لِمَنْ تَوَكَّلَ ، وَرَاحَةً لِمَنْ فَوَّضَ ، وَجُنَّةً لِمَنْ صَبَرَ ، فَهُوَ أَبْلَجُ الْمَنَاهجِ وَأَوْضَحُ الْوَلاَئِجِ ؛ مُشْرَفُ الْمَنَارِ ، مُشْرِقُ الْجَوَادِّ ، مُضِيءُ الْمَصَابِيحِ ، كَرَيمُ الْمِضْمَارِ ، رَفِيعُ الْغَايَةِ ، جَامِعُ