335
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

وَبِمَوْضعِ الشَّجَا مِنْ مَسَاغِ رِيقِهِ .
أَمَا وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ ، لَيَظْهَرَنَّ هؤلاَءِ الْقَوْمُ عَلَيْكُمْ ، لَيْسَ لِأَنَّهُمْ أَوْلَى بِالْحَقِّ مِنْكُمْ ، وَلكِنْ لاِءِسْرَاعِهِمْ إِلَى بَاطِلِهِمْ ، وَإِبْطَائِكُمْ عَنْ حَقِّي . وَلَقَدْ أَصْبَحَتِ الْأُمَمُ تَخَافُ ظُلمَ رُعَاتِهَا ، وَأَصْبَحْتُ أَخَافُ ظُلمَ رَعِيَّتِي .
اسْتَنْفَرْتُكُمْ لِلْجِهَادِ فَلَمْ تَنْفِرُوا ، وَأَسْمَعْتُكُمْ فَلَمْ تَسْمَعُوا ، وَدَعَوْتُكُمْ سِرّاً وَجَهْراً فَلَمْ تَسْتَجِيبُوا ، وَنَصَحْتُ لَكُمْ فَلَمْ تَقْبَلُوا . أَشُهُودٌ كَغُيَّابٍ ، وَعَبِيدٌ كَأَرْبَابٍ ؟! أَتْلُو عَلَيْكُمُ الْحِكَمَ فَتَنْفِرُونَ مِنْهَا ، وَأَعِظُكُمْ بِالمَوْعِظَةِ الْبَالِغَةِ فَتَتَفَرَّقُونَ عَنْهَا ، وَأَحُثُّكُمْ عَلَى جِهَادِ أَهـْلِ الْبَغْيِ فَمَا آتِي عَلَى آخِرِ قَوْلي حَتَّى أَرَاكُمْ مُتَفَرِّقِينَ أَيَادِيَ سَبَا ، تَرْجِعُونَ إِلى مَجَالِسِكُمْ ، وَتَتَخَادَعُونَ عَنْ مَوَاعِظِكُمْ ، أُقَوِّمُكُمْ غُدْوَةً ، وَتَرْجِعُونَ إِلَيَّ عَشِيَّةً ، كَظَهْرِ الْخيَّةِ ، عَجَزَ الْمُقَوِّمُ ، وَأَعْضَلَ الْمُقَوَّمُ .
أَيُّهَا الْقَوْمُ الشَّاهِدَةُ أَبْدَانُهُمْ ، الْغَائِبَةُ عَنْهُمْ عُقُولُهُمْ ، الُْمخْتَلِفَةُ أَهْوَاؤهُمْ ، المُبْتَلَى بِهمْ أُمَرَاؤهُمْ . صَاحِبُكُمْ يُطِيعُ اللّهَ وَأَنْتُمْ تَعْصُونَهُ ، وَصَاحِبُ أَهْلِ الشَّامِ يَعْصِي اللّهَ وَهُمْ يُطِيعُونَهُ . لَوَدِدْتُ وَاللّهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ صَارَفَني بِكُمْ صَرْفَ الدِّينَارِ بِالدِّرْهَمِ ، فَأَخَذَ مِنِّي عَشَرَةً مِنْكُمْ وَأَعْطَانِي رَجُلاً مِنْهُمْ!
يَاأَهْلَ الْكُوفَةِ ، مُنِيتُ مِنْكُمْ بِثَـلاَثٍ وَاثنَتَيْنِ : صُمٌّ ذَوُو أَسْمَاعٍ ، وَبُكْمٌ ذَوُو كَلاَمٍ ، وَعُمْيٌ ذَوُو أَبْصَارٍ ، لاَ أحْرَارُ صِدْقٍ عِنْدَ اللِّقَاءِ ، وَلاَ إِخْوَانُ ثِقَةٍ عِنْدَ الْبَلاَءِ ! تَرِبَتْ أَيْدِيكُمْ ! يَا أَشْبَاهَ الاْءِبِلِ غَابَ عَنْهَا رُعَاتُهَا ! كُلَّمَا جُمِعَتْ مِنْ جَانِبٍ تَفَرَّقَتْ مِنْ آخَرَ . وَاللّهِ لَكَأَنِّي بِكُمْ فِيمَا إِخَالُكُمْ أَلَّوْ حَمِسَ الْوَغَى ، وَحَمِيَ الضِّرَابُ ، قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبي طَالِبٍ انْفِرَاجَ الْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا . وَإِنِّي لَعَلَى بَيِّنَة مِنْ رَبِّي ، وَمِنْهَاجٍ مِنْ نَبِيِّي ، وَإِنِّي لَعَلَى الطَّرِيقِ الْوَاضِحِ أَلْقُطُهُ لَقْطاً .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
334

قَدْ صُرِفَتْ نَحْوَهُ أَفْئِدَةُ الْأَبْرَارِ ، وَثُنِيَتْ إِلَيْهِ أَزِمَّةُ الْأَبْصَارِ ، دَفَنَ اللّهُ بِهِ الضَّغَائِنَ ، وَأَطْفَأَ بِهِ النَّوَائِرَ . أَ لَّـفَ بِهِ إِخْوَاناً . وَفَرَّقَ بِهِ أَقْرَاناً ، أَعَزَّ بِهِ الذِّلَّةَ ، وَأَذَلَّ بِهِ الْعِزَّةَ . كَلاَمُهُ بَيَانٌ ، وَصَمْتُهُ لِسَانٌ .

الشّرْحُ :

المهاد : الفراش ، ولما قال : « في معادن » ، وهي جمع معدن ، قال بحكم القرينة والازدواج : «ومماهد» وإن لم يكن الواحد منها «مَمْهدا»، كما قالوا: الغدايا والعشايا. ومأجورات ومأزورات، ونحو ذلك . ويعني بالسلامة هاهنا البراءة من العيوب ، أي في نسب طاهر غير مأفون ولا معيب .
ثم قال : « قد صُرِفت نحوه » أي نحو الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ، ولم يقل مَنْ صرفها ؟ بل جعله فعلاً لم يسمّ فاعله ، فإن شئت قلت : الصارف لها هو اللّه تعالى لا بالجبْر ، كما يقوله الأشعرية ، بل بالتوفيق واللطف ، كما يقوله أصحابنا ، وإن شئت قلت : صرفها أربابُها . والضغائن : جمع ضغينة ، وهي الحِقْد ، ضغِنت على فلان بالكسر ضِغْنا ، والضغن الاسم ، كالضغينة ، وتضاغنوا واضطغنوا : انطَوَوْا على الأحقاد . ودَفَنها : أكمنها وأخفاها . وألّف به إخواناً ؛ لأنّ الإسلام قد ألّف بين المتباعدين ، وفرق بين المتقاربين ، وقال تعالى : « فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوَانا» ۱ .
قوله عليه السلام : « وصمته لسان » ، لا يعني باللسان هاهنا الجارحة نفسها ، بل الكلام الصادر عنها . يقول عليه السلام : إن كلام الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بيان ، والبيان إخراج الشيء من حَيّز الخفاء إلى حَيّز الوضوح ، وصمته صلى الله عليه و آله وسلم كلام وقول مفيد ، أي أنّ صمته لا يخلو من فائدة ، فكأنه كلام ، وهذا من باب التشبيه المحذوف الأداة ، كقولهم : يده بَحْر ، ووجهه بدر .

۹۶

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلاموَلَئِنْ أَمْهَلَ اللّهُ الظَّالِمَ فَلَنْ يَفُوتَ أَخْذُهُ ، وَهُوَ لَهُ بِالمِرْصَادِ عَلَى مَجَازِ طَرِيقِهِ ،

1.سورة آل عمران ۱۰۳ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8350
صفحه از 712
پرینت  ارسال به