قَدْ صُرِفَتْ نَحْوَهُ أَفْئِدَةُ الْأَبْرَارِ ، وَثُنِيَتْ إِلَيْهِ أَزِمَّةُ الْأَبْصَارِ ، دَفَنَ اللّهُ بِهِ الضَّغَائِنَ ، وَأَطْفَأَ بِهِ النَّوَائِرَ . أَ لَّـفَ بِهِ إِخْوَاناً . وَفَرَّقَ بِهِ أَقْرَاناً ، أَعَزَّ بِهِ الذِّلَّةَ ، وَأَذَلَّ بِهِ الْعِزَّةَ . كَلاَمُهُ بَيَانٌ ، وَصَمْتُهُ لِسَانٌ .
الشّرْحُ :
المهاد : الفراش ، ولما قال : « في معادن » ، وهي جمع معدن ، قال بحكم القرينة والازدواج : «ومماهد» وإن لم يكن الواحد منها «مَمْهدا»، كما قالوا: الغدايا والعشايا. ومأجورات ومأزورات، ونحو ذلك . ويعني بالسلامة هاهنا البراءة من العيوب ، أي في نسب طاهر غير مأفون ولا معيب .
ثم قال : « قد صُرِفت نحوه » أي نحو الرسول صلى الله عليه و آله وسلم ، ولم يقل مَنْ صرفها ؟ بل جعله فعلاً لم يسمّ فاعله ، فإن شئت قلت : الصارف لها هو اللّه تعالى لا بالجبْر ، كما يقوله الأشعرية ، بل بالتوفيق واللطف ، كما يقوله أصحابنا ، وإن شئت قلت : صرفها أربابُها . والضغائن : جمع ضغينة ، وهي الحِقْد ، ضغِنت على فلان بالكسر ضِغْنا ، والضغن الاسم ، كالضغينة ، وتضاغنوا واضطغنوا : انطَوَوْا على الأحقاد . ودَفَنها : أكمنها وأخفاها . وألّف به إخواناً ؛ لأنّ الإسلام قد ألّف بين المتباعدين ، وفرق بين المتقاربين ، وقال تعالى : « فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إخْوَانا» ۱ .
قوله عليه السلام : « وصمته لسان » ، لا يعني باللسان هاهنا الجارحة نفسها ، بل الكلام الصادر عنها . يقول عليه السلام : إن كلام الرسول صلى الله عليه و آله وسلم بيان ، والبيان إخراج الشيء من حَيّز الخفاء إلى حَيّز الوضوح ، وصمته صلى الله عليه و آله وسلم كلام وقول مفيد ، أي أنّ صمته لا يخلو من فائدة ، فكأنه كلام ، وهذا من باب التشبيه المحذوف الأداة ، كقولهم : يده بَحْر ، ووجهه بدر .
۹۶
الأصْلُ :
۰.ومن خطبة له عليه السلاموَلَئِنْ أَمْهَلَ اللّهُ الظَّالِمَ فَلَنْ يَفُوتَ أَخْذُهُ ، وَهُوَ لَهُ بِالمِرْصَادِ عَلَى مَجَازِ طَرِيقِهِ ،