329
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

ومنها في ذكر بني أُميّة : « يظهر أهلُ باطِلها على أهل حقّها ، حتى تمْلَأ الأرض عدواناً وظلماً وبِدعا إلى أن يضع اللّه عزّ وجلّ جبروتها ، ويكسر عَمَدها ، وينزع أوتادها . ألا وإنَّكم مدركوها فانصرُوا قوما كانوا أصحاب رايات بدر وحُنين ، تؤجروا ، ولا تمالئوا عليهم عدوّهم ، فتصرعكم البَليَّة ، وتحُلّ بكم النقمة » .
ومنها : « إلاّ مثل انتصار العبد من مولاه إذا رآه أطاعه ، وإن توارى عنه شَتَمه . وايمُ اللّه لو فرّقوكم تحتَ كلّ حجر ؛ لجمعكم اللّه لشرِّ يوم لهم » .
ومنها : « فانظروا أهل بيت نبيكم ، فإن لبَدُوا فالبدوا ، وإن استنصروكم فانصروهم ، فليفرجَنّ اللّه الفتنة برجل منّا أهلَ البيت ، بأبي ابن خيرة الإماء . لا يعطيهم إلاّ السيف هَرْجا هرجاً ، موضوعاً على عاتقه ثمانية أشهر ؛ حتى تقول قريش : لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا ، يغريه اللّه ببني أُميّة حتّى يجعلهم حُطاماً ورفاتا ، ملعونين أينما ثقفوا أُخذُوا وقُتّلوا تقتيلاً . سنّة اللّه في الذين خَلَوْا من قبل ولن تجدَ لسنّة اللّه تبديلاً » .
فإن قيل : ومَنْ هذا الرجل الموعود به الذي قال عليه السلام عنه : « بأبي ابن خيرة الإماء » ؟ قيل : أمّا الإمامية فيزعمون أ نّه إمامهم الثاني عشر ، وأنه ابن أمة اسمها نرجس ؛ وأما أصحابنا فيزعمون أ نّه فاطميّ يولَد في مستقبل الزمان ، لأمّ ولد ، وليس بموجود الآن .
فإن قيل : فإنكم قلتم فيما تقدّم : إن الوعد إنما هو بالسفاح وبعمّه عبد اللّه بن علي ، والمسوّدة ؛ وما قلتموه الآن مخالف لذلك!
قيل : إن ذلك التفسير هو تفسير ما ذكره الرضي ؛ من كلام أمير المؤمنين عليه السلام في « نهج البلاغة » وهذا التفسير هو تفسير الزيادة التي لم يذكرها الرضيّ ، وهي قوله : بأبي ابن خيرة الإماء . وقوله : « لو كان هذا من ولد فاطمة لرحمنا » ، فلا مناقضةَ بين التفسيرين .

۹۳

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامفَتَبَارَكَ اللّهُ الَّذِي لاَ يَبْلُغُهُ بُعْدُ الْهِمَمِ ، وَلاَ يَنَالُهُ حَدْسُ الْفِطَنِ ، الْأَوَّلُ الَّذِي لاَ غَايَةَ


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
328

شوهاء . وقطعاً جاهلية ، شبهها بقطع السحاب لتراكمها على الناس ، وجعلها جاهلية ؛ لأنها كأفعال الجاهلية الذين لم يكن لهم دين يردعهم ، ويروى : « شوهاء » و « قطعاء » ، أي نكراء ، كالمقطوعة اليد .
قوله : « نحن أهلَ البيت منها بمنجاة » ، أي بمعزل ، والنّجاة والنّجوة : المكان المرتفع الذي تظن أنه نجاك ، ولا يعلوه السيل . ولسنا فيها بدعاة ، أي لسنا من أنصار تلك الدّعوة . و « أهلَ البيت » منصوب على الاختصاص ، كقولهم : نحن معشرَ العرب نفعل كذا ، ونحن آلَ فلان كرماء .
قوله : « كتفريج الأديم » ، الأديم : الجلد ، وجمعه أُدُم ، مثل أفيق وأُفُق ، ويجمع أيضاً على « آدمة » ، كرغيف وأرغفة ، ووجه التشبيه أن الجلد ينكشف عَمّا تحته ، فوعدهم عليه السلام بأنّ اللّه تعالى يكشف تلك الغمّاء كانكشاف الجلْد عن اللحم ؛ بمن يسومهم خسفاً ، ويوليهم ذلاً . والعُنف ، بالضم : ضدّ الرفق . وكأس مصبّرة ، ممزوجة بالصَّبر لهذا المرّ ، ويجوز أن يكون « مصبّرة » مملوءة إلى أصْبارها ، وهي جوانبها ، وفي المثل : « أخذها بأصبارها » أي تامّة ، الواحد صُبر ، بالضم . ويُحْلِسهم : يلبسهم ، أحلست البعير ألبسته الحِلْس ، وهو كساء رقيق يكون تحت البرذعة . والجَزُور من الإبل : يقع على الذَّكر والأنثى ، وجَزْرها : ذَبْحها .
وهذا الكلام إخبار عن ظهور المسوَّدة ، وانقراض ملك بني أُميّة . ووقع الأمر بموجب إخباره صلوات اللّه عليه ؛ حتى لقد صدق قوله : « لقد تود قريش ... » الكلام إلى آخره ، فإن أرباب السِّيَر كلهم نقلوا أنّ مروان بن محمد قال يوم الزَّاب لما شاهد عبد اللّه بن علي بن عبد اللّه ابن العباس بإزائه في صفّ خراسان : لوددت أن عليّ بن أبي طالب تحت هذه الراية بدلاً من هذا الفتى ؛ والقصة طويلة وهي مشهورة .
وهذه الخطبة ذكرها جماعة من أصحاب السير ؛ وهي متداولة منقولة مستفيضة ، خطب بها علي عليه السلام بعد انقضاء أمر النّهروان ، وفيها ألفاظ لم يوردها الرضي ؛ . من ذلك قوله عليه السلام : « ولم يكن ليجترئ عليها غيري ؛ ولو لم أكُ فيكم ما قوتل أصحاب الجمل والنهروان . وايمُ اللّه لولا أن تتّكلوا فتدعُوا العمل لحدّثتكم بما قضى اللّه عزّ وجلّ على لسان نبيكم صلى الله عليه و آله وسلم لِمَنْ قاتلهم مبصرا لضلالتهم ، عارفاً للهدى الذي نحن عليه ؛ سلوني قبل أن تفقدوني ، فإنّي ميِّت عن قريب أو مقتول ، بل قتلاً ، ما ينتظر أشقاها أن يخضَب هذه بدم » . وضرب بيده إلى لحيته .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8437
صفحه از 712
پرینت  ارسال به