قوله عليه السلام : « إن الفتَن إذا أقبلت شَبّهت » ، معناه أنّ الفتن عند إقبالها وابتداء حدوثها، يلتبس أمرها ولا يُعلم الحقّ منها من الباطل ، إلى أن تنقضي وتدبِر ؛ فحينئذٍ ينكشف حالها ، ويعلم ما كان مشتبهاً منها . ثم أكّد عليه السلام هذا المعنى بقوله : « ينكَرْن مقبلات ، ويعرَفن مدبرات » ، ومثال ذلك فتنة الجمل ، وفتنة الخوارج ، كان كثير من الناس فيها في مبدأ الأمر متوقّفين ، واشتبه عليهم الحال ، ولم يعلموا موضع الحقّ إلى أن انقضت الفتنة ، ووضعت الحرب أوزارها ، وبان لهم صاحبُ الضلالة من صاحب الهداية .
ثم وصف الفتن ، فقال : إنها تحُوم حَوْم الرياح ، يصبن بلدا ، ويخطئن بلداً . حام الطائر وغيرُه حول الشيء ، يحوم حَوْما وحَوَماناً ، أي دار . ثم ذكر أنّ أخوف ما يخاف عليهم فتنة بني أميّة . ومعنى قوله : « عَمّت خطتها ، وخصّت بليّتها » ، أنها عمّت الناس كافة من حيث كانت رياسة شاملة لكلّ أحد ؛ ولكن حظّ أهل البيت : وشيعتهم من بليّتها أعظم ، ونصيبهم فيها أوفر .
ومعنى قوله : « وأصاب البلاء مَنْ أبصر فيها ، وأخطأ البلاء من عَمي عنها » ، أن العالم بارتكابهم المنكر مأثوم إذ لم ينكر ، والجاهل بذلك لا إثم عليه إذا لم ينههم عن المنكر .
ثم أقسم عليه السلام فقال : « وايم اللّه » ، وأصله : وأيمنُ اللّه . فأقسم عليه السلام لأصحابه أنّهم سيجدون بني أُميّة بعده لهم أرباب سوء ، وصدَقَ صلوات اللّه عليه فيما قال ، فإنّهم ساموهم سوء العذاب قَتْلاً وصلباً ، وحَبْساً وتشريداً في البلاد .
ثم شبّه بني أُميّة بالنَّاب الضّروس ، والنّاب : الناقة المسنّة ، والجمع نيب ، تقول : لا أفعله ما حَنّت النيب . والضّروس : السيئة الخُلْق تعضّ حالبها . وتعذِم بفيها : تكدم ، والعذْم : الأكل بجفاء ، وفرس عَذُوم : يعضّ بأسنانه . والزَّبْن : الدفع ، زبنتِ الناقة تزبِنُ ، إذا ضربت بثَفِناتها عند الحلْب ، تدفع الحالب عنها . والدّرّ : اللبن ، وفي المثل « لا درّ دَرُّه » الأصل « لبنهُ » ، ثم قيل لكل خير ، وناقة دَرُور ، أي كثيرة اللبن . ثم قال : لا يزالون بكم قتلاً وإفناءً لكم حتى لا يتركوا منكم إلاّ من ينفعهم إبقاؤه ، أو لا يضرهم ولا ينفعهم ، قال : حتى يكون انتصار أحدكم منهم كانتصار العبْد من مولاه ، أي لا انتصارَ لكم منهم ؛ لأنّ العبد لا ينتصر من مولاه أبداً . وقد جاء في كلامه عليه السلام في غير هذا الموضع تتمة هذا المعنى : « إن حضر أطاعه ، وإن غاب سَبَعه » ، أي ثلبه وشتمه ، وهذه أمارة الذلّ .
قال عليه السلام : « والصاحب من مستصحِبه » ، أي والتابع من متبوعه . والشُوه : جمع شَوْهاء ؛ وهي القبيحة الوجه ؛ شاهت الوجوه تشوه شَوْها ، قُبحت ، وشوّهه اللّه فهو مشوّه ؛ وهي