وكذلك اختلفت الرواية في قوله : « وما أسماعُكم اليومَ بدون أسماعكم بالأمس » ، فروي هكذا ، وروي « بدون أسماعهم » ، فمن رواه بهاء الغيبة في الموضعين فالكلام منتظم ، لا يحتاج إلى تأويل ، ومن رواه بكاف الخطاب ، قال : إنه خاطب به من صحب النبيّ صلى الله عليه و آله وسلموشاهده وسمع خطابه ؛ لأنّ أصحاب عليّ عليه السلام كانوا فريقين : صحابة وتابعين ، ويعضّد الرواية الأُولى سياق الكلام . وقوله : « ولا شُقّت لهم الأبصار ... إلاّ وقد أعطيتم مثلها » . وأصفيتم به : منحتُموه ، من الصفيّ وهو ما يصطفيه الرئيس من المغنم لنفسه قبل القسمة ، يقال : صفيّ وصفيّة .
وخلاصة هذا الكلام أن جميع ما كان رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قاله لأصحابه قد قلتُ مثله لكم ، فأطاع أُولئك وعصيتم أنتم ، وحالكم مساوية لحالهم .
ثم نعود إلى التفسير ، قال : « ولقد نزلت بكم البليّة » ، أي المحنَة العظيمة ، يعني فتنة معاوية وبني أُميّة . وقال : « جائلاً خِطامها » ؛ لأنّ الناقة إذا اضطرب زمامها استصعبتْ على راكبها ، ويسمى الزمام خِطاماً لكونه في مقدّم الأنف ، والخطم من كلّ دابة : مقدّم أنفها وفمها ، وإنما جعلها رخواً بطانها ، لتكون أصعب على راكبها ؛ لأ نّه إذا استرخى البطان كان الراكب في معرض السقوط عنها ، وبطان القَتَب هو الحزام الذي يجعل تحت بطن البعير .
ثم نهاهم عن الاغترار بالدنيا ومتاعها ، وقال : إنها ظلٌّ ممدود إلى أجل ممدود ، وإنما جعلها كالظلّ لأ نّه ساكن في رأي العين ، وهو متحرك في الحقيقة ، لا يزال يتقلَّص ، كما قال تعالى : « ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إلَيْنَا قَبْضا يَسِيرا » ۱ وهو أشبه شيء بأحوال الدنيا .
۸۹
الأصْلُ :
۰.ومن خطبة له عليه السلامالْحَمْدُ للّهِ الْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ ، وَالْخَالِقِ مِنْ غَيْرِ رَوِيَّةٍ ، الَّذِي لَمْ يَزَلْ قَائِماً