۸۸
الأصْلُ :
۰.ومن خطبة له عليه السلامأَرْسَلَهُ عَلَى حِينِ فَتْرَةٍ مِنَ الرُّسُلِ ، وَطُولِ هَجْعَةٍ مِنَ الْأُمَمِ وَاعْتِزَامٍ مِنَ الْفِتَنِ ، وَانْتِشَارٍ مِنَ الْأُمُورِ ، وَتَلَظٍّ مِنَ الْحُرُوبِ ، وَالدُّنْيَا كَاسِفَةُ النُّورِ ، ظَاهِرَةُ الْغُرُورِ ؛ عَلَى حِينِ اصْفِرَارٍ مِنْ وَرَقِهَا ، وَإِيَاسٍ مِنْ ثَمَرِهَا ، وَاغْوَارٍ مِنْ مَائِهَا ، قَدْ دَرَسَتْ مَنَارُ الْهُدَى ، وَظَهَرَتْ أَعْلاَمُ الرَّدَى ، فَهِيَ مُتَجَهِّمَةٌ لِأَهْلِهَا ، عَابِسَةٌ فِي وَجْهِ طَالِبِهَا . ثَمَرُهَا الْفِتْنَةُ ، وَطَعَامُهَا الْجِيفَةُ ، وَشِعَارُهَا الْخَوْفُ ، وَدِثَارُهَا السَّيْفُ .
فَاعْتَبِرُوا عِبَادَ اللّهِ ، وَاذْكُرُوا تِيَكَ الَّتِي آباؤُكُمْ وَإخْوَانُكُمْ بِهَا مُرْتَهَنُونَ ، وَعَلَيْهَا مُحَاسَبُونَ . وَلَعَمْرِي مَا تَقَادَمَتْ بِكُمْ وَلاَ بِهِمُ الْعُهُودُ ، وَلاَ خَلَتْ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمُ الأحْقَابُ وَالقُرُونُ ، وَمَا أَنْتُمُ الْيَوْمَ مِنْ يَوْمِ كُنْتُمْ فِي أَصْلاَبِهِمْ بِبَعِيدٍ .
وَاللّهِ مَا أَسْمَعَكُمُ الرَّسُولُ شَيْئا إِلاَّ وَهَا أَنَا ذَا مُسْمِعُكُمُوهُ ، وَمَا أَسْمَاعُكُمُ الْيَوْمَ بِدُونِ أَسْمَاعِكُمْ بِالْأَمْسِ ، وَلاَ شُقَّتْ لَهُمُ الْأَبْصَارُ ، وَلاَ جُعِلَتْ لَهُمُ الْأَفْئِدَةُ فِي ذلِكَ الزَّمَانِ ، إِلاَّ وَقَدْ أُعْطِيتُمْ مِثْلَهَا فِي هـذَا الزَّمَانِ . وَوَاللّهِ مَا بُصِّرْتُمْ بَعْدَهُمْ شَيْئا جَهِلُوهُ ، وَلاَ أُصْفِيتُمْ بِهِ وَحُرِمُوهُ ، وَلَقَدْ نَزَلَتْ بِكُمُ الْبَلِيَّةُ جَائِلاً خِطَامُهَا ، رِخْوا بِطَانُهَا ، فَلاَ يَغُرَّنَّكُمْ مَا أَصْبَحَ فِيهِ أَهْلُ الْغُرُورِ ، فَإِنَّمَا هُوَ ظِلٌّ مَمْدُودٌ ، إِلَى أَجَلٍ مَعْدُودِ .
الشّرْحُ :
الفَترة بين الرسل : انقطاعُ الرّسالة والوحي ؛ وكذلك كان إرسال محمد صلى الله عليه و آله وسلم ؛ لأنَّ بين محمدوبين عهد المسيح عليه السلام عهدا طويلاً ، أكثر الناس على أ نّه ستمئة سنة ، ولم يرسَل في تلك المدّة رسول ، اللهمّ إلاّ ما يقال عن خالد بن سنان العبسيّ ، ولم يكن نبيّا ولا مشهورا . والهجْعة : النَّوْمة ليلاً ، والهجوع مثله ، وكذلك التَّهْجاع ، بفتح التاء ، فأمّا الهِجْعة بكسر الهاء ؛