279
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

أَحَدٍ مِنَ الْأُمَمِ إِلاَّ بَعْدَ أَزْلٍ وَبَلاَءٍ ؛ وَفِي دُونِ مَا اسْتَقْبَلْتُمْ مِنْ عَتْبٍ وَمَا اسْتَدْبَرْتُمْ مِنْ خَطْبٍ مُعْتَبَرٌ ! وَمَا كُلُّ ذِي قَلْبٍ بِلَبِيبٍ ، وَلاَ كُلُّ ذِي سَمْعٍ بِسَمِيعٍ ، وَلاَ كُلُّ نَاظِرٍ بِبَصِيرٍ .
فَيَا عَجَبا ! وَمَا لِيَ لاَ أَعْجَبُ مِنْ خَطَإِ هـذِهِ الْفِرَقِ عَلَى اخْتِلاَفِ حُجَجِهَا فِي دِينِهَا ! لاَ يَقْتَصُّونَ أَثَرَ نَبِيٍّ ، وَلاَ يَقْتَدُونَ بِعَمَلِ وَصِيٍّ ، وَلاَ يُؤْمِنُونَ بِغَيْبٍ ، وَلاَ يَعِفُّونَ عَنْ عَيْبٍ ، يَعْمَلُونَ فِي الشُّبُهَاتِ ، وَيَسِيرُونَ فِي الشَّهَوَاتِ . الْمَعْرُوفُ فِيهِمْ مَا عَرَفُوا ، وَالْمُنْكَرُ عِنْدَهُمْ مَا أَنْكَرُوا ، مَفْزَعُهُمْ فِي الْمُعْضَلاَتِ إِلَى أَنْفُسِهِمْ ، وَتَعْوِيلُهُمْ فِي الْمُهِمَّاتِ عَلَى آرَائِهِمْ ، كَأَنَّ كُلَّ امْرِى ءٍ مِنْهُمْ إِمَامُ نَفْسِهِ ، قَدْ أَخَذَ مِنْهَا فِيمَا يَرَى بِعُرىً ثِقَاتٍ ، وَأَسْبَابٍ مُحْكَمَاتٍ .

الشّرْحُ :

القَصْم ، بالقاف والصاد المهملة : الكسر ، قصمتُه فانقصم ، وقصّمته فتقصّم ، ورجل أقصم الثنيّة ؛ أي مكسورها ، بيّن القَصَم ، بفتح الصاد . والتمهيل : التأخير . ويروى « رجاء » وهو التأخير أيضا ؛ والرواية المشهورة « ورخاء » ، أي بعد إعطائهم من سعة العيش وخِصب الحال ما اقتضته المصلحة . والأزْل ، بفتح الهمزة : الضيق . ويقتصُّون : يتبعون ، قال سبحانه وتعالى : « وَقَالَتْ لأُخْتِهِ قُصِّيهِ » ۱ . ويعِفّون ، بكسر العين ؛ عَفَفْتُ عن كذا ، أعِفُّ عَفّا وعِفَّةً وعَفافة ، أي كففت ، فأنا عفّ وعفيف ، وامرأة عَفّة وعفيفة ، وقد أعفَّه اللّه ، واستعفّ عن المسألة ، أي عفّ . وتعفّف الرجل ، أي تكلّف العِفّة ، ويروى : « ولا يَعْفُون عن عَيْب » ، أي لا يصفحون . ومفزعهم : ملجؤهم . وفيما يُرى ، أي فيما يظنّ ، ويرى بفتح الياء ؛ أي فيما يراه هو . وروي : « بعرىً وثيقات » .
يقول إنّ عادة اللّه تعالى ألاّ يقصِم الجبابرة إلاّ بعد الإمهال والاستدراج ؛ بإفاضافة النعم عليهم ، وألاّ يجير أولياءهم وينصرهم إلاّ بعد بؤس وبلاء يمتحنهم به ، ثم قال لأصحابه : إنّ في دون ما استقبلتم من عَتْب لمعتَبر ، أي من مشقّة ، يعني بما استقبلوه ما لاقَوْه في مستقبل

1.سورة القصص ۱۱ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
278

الشيء اللُّفاظة واللُّفاظ ؛ أي يلفظونها كلَّها لا يبقى منها شيء معهم .
وهذه الخطبة طويلة ، وقد حذف الرضيّ ؛ منها كثيرا ، ومن جملتها :
أما والذِي فَلَق الحبَّة ، وبرأ النَّسمة ، لا يروْن الَّذي ينتظرون حتى يهلِك المتمنُّون . ويَضْمَحِلّ المحلُّون ، ويتثبَّت المؤمنون ، وقليلٌ ما يكون ؛ واللّه واللّه لا تَرَوْن الذي تنتظرون حتى لا تَدْعُون اللّه إلاّ إشارةً بأيدِيكُمْ وإيماضا بحواجبكم ، وحتى لا تملِكُون من الأرض إلاّ مواضعَ أقدامكم ، وحتى يكونَ موضعُ سلاحكم على ظهورِكم ؛ فيومئذٍ لا ينصرني إلاّ اللّه بملائكتِه ، ومَن كَتَبَ عَلَى قَلْبِه الإيمان ، والَّذِي نَفْسُ عَليٍّ بيدِه لا تقوم عصابَةٌ تطلب لِي أو لغيرِي حَقّا ، أو تدفع عنا ضَيْما إلاّ صَرَعتهم البليَّة ، حتى تقوم عصابةٌ شهدت مع محمد صلى الله عليه و آله وسلمبَدْرا، لا يودَى قتيلُهم، ولا يداوَى جريحُهم، ولا ينعَشُ صريعُهم. قال المفسرون: هم الملائكة.
ومنها :
« لقد دعوتُكُم إلى الحقِّ وتولَّيْتُم ، وضربتُكم بالدِّرَّةِ فَمَا استقمتم ، وسَتَلِيكم بَعْدِي وُلاة يعذِّبُونكم بالسِّياط والحديد ، وسيأتيكُم غُلاما ثَقيفٍ : أخْفش وجُعْبوب ؛ يقتلان ويُظلَمان ، وقليل ما يمكّنان .
قلت : الأخفش : الضعيف البصر خِلْقة ، والجُعبوب : القصير الذميم ، وهما الحجاج ويُوسف بن عمر . وفي كتاب عبد الملك إلى الحجّاج : قاتلك اللّه أُخيفشَ العينين ، أصكَّ الجاعِرَتَيْن ۱ !)
ومن كلام الحسن البصري ؛ يذكر فيه الحجاج : أتانا أُعَيْمش أُخَيْمش يمدّ بيدٍ قصيرة البنان ، ما عرق فيها عنان في سبيل اللّه .
وكان المَثل يُضربُ بقِصَرِ يوسف بن عمر ، وكان يغضب إذا قيل له قصير .

۸۷

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامأَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ اللّهَ لَمْ يَقْصِمْ جَبَّارِي دَهْرٍ قَطُّ إِلاَّ بَعْدَ تَمْهِيلٍ وَرَخَاءٍ ؛ وَلَمْ يَجْبُرْ عَظْمَ

1.الجاعرتان : حرفا الوركين المشرفان عن الفخذين . والأصك : الذي تصك ركبتاه وعرقوباه عن المشي .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8570
صفحه از 712
پرینت  ارسال به