الْهِيمِ الْعِطَاشِ.
أَيُّهَا النَّاسُ ، خُذُوهَا عَنْ خَاتَمِ النَّبِيِّينَ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ : « إِنَّهُ يَمُوتُ مَنْ مَاتَ مِنَّا وَلَيْسَ بِمَيِّتٍ ، وَيَبْلَى مَنْ بَلِيَ مِنَّا وَلَيْسَ بِبَالٍ » فَلاَ تَقُولُوا بِمَا لاَ تَعْرِفُونَ ، فَإِنَّ أَكْثَرَ الْحَقَّ فِيمَا تُنْكِرُونَ ، وَاعْذِرُوا مَنْ لاَ حُجَّةَ لَكُمْ عَلَيْهِ ـ وَهُوَ أَنَا ـ ، أَلَمْ أَعْمَلْ فِيكُمْ بِالثَّقَلِ الْأَكْبَرِ ! وَأَتْرُكْ فِيكُمُ الثَّقَلَ الْأَصْغَرَ ! قَدْ رَكَزْتُ فِيكُمْ رَايَةَ الاْءِيمَانُ ، وَوَقَفْتُكُمْ عَلَى حُدُودِ الْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ ، وَأَلْبَسْتُكُمُ الْعَافِيَةَ مِنْ عَدْلِي ، وَفَرَشْتُكُمُ الْمَعْرُوفَ مِنْ قَوْلِي وَفِعْلِي ، وَأَرَيْتُكُمْ كَرَائِمَ الْأَخْلاَقِ مِنْ نَفْسِي . فَلاَ تَسْتَعْمِلُوا الرَّأْيَ فِيمَا لاَ يُدْرِكُ قَعْرَهُ الْبَصَرُ ، وَلاَ تَتَغَلْغَلُ إِلَيْهِ الْفِكَرُ .
الشّرْحُ :
الجهائل : جمع جهالة ؛ كما قالوا : عَلاقة وعلائق . والأضاليل : الضّلال ، جمعٌ لا واحد له من لفظه .
وقوله : « وقد حمل الكتاب على آرائه » ، يعني قد فسَّر الكتاب وتأوّلَه على مُقتضى هواه وقد أوضح ذلك بقوله : « وعطف الحقَّ على أهوائه » .
وقوله : « يؤمِن الناس من العظائم » ، فيه تأكيد لمذهب أصحابنا في الوعيد ، وتضعيف لمذهب المرجِئة الذين يؤمنون الناس من عظائم الذنوب ، ويُمنُّونهم العفوَ ؛ مع الإصرار وترك التَّوْبة . وجاء في الخبر المرفوع المشهور : « الكيِّس مَنْ دانَ نفسه ، وعمل لما بعد الموت ، والأحمق من أتْبَع نفسَه هواها ، وتمنَّى على اللّه » .
وقوله : « يقول أقف عند الشبهات » ؛ يعني أنّ هذا المدّعِيَ للعلم يقول لنفسه وللناس : أنا واقف عند أدْنَى شبهة تحرُّجا وتورُّعا ؛ كما قال صلى الله عليه و آله وسلم : « دَعْ ما يريبُك إلى ما لا يريبُك » .
ثم قال : « وفي الشبهات وَقَع » ، أي بجهله ؛ لأنّ مَنْ لا يعلم الشبهة ما هي ، كيف يقفُ عندها ، ويتحرّج من الورْطة فيها ، وهو لا يأمن من كونها غير شبهة على الحقيقة!
وقوله : « اعتزل البِدَع ، وبينها اضطجع » ؛ إشارة إلى تضعيف مذاهب العامة والحشَوِيّة الذين رفضوا النَّظر العقليّ ، وقالوا : نعتزل البدع .