وَاسْتَمْسَكَ مِنَ الْعُرَى بِأَوْثَقِهَا ، وَمِنَ الْحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا ، فَهُوَ مِنَ الْيَقِينِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ ، قَدْ نَصَبَ نَفْسَهُ للّهِ ـ سُبْحَانَهُ ـ فِي أَرْفَعِ الْأُمُورِ ، مِنْ إِصْدَارِ كُلِّ وَارِدٍ عَلَيْهِ ، وَتَصْييرِ كُلِّ فَرْعٍ إِلَى أَصْلِهِ .
مِصْبَاحُ ظُلُمَاتٍ ، كَشَّافُ عَشَوَاتٍ ، مِفْتَاحُ مُبْهَمَاتٍ ، دَفَّاعُ مُعْضَلاَتٍ ، دَلِيلُ فَلَوَاتٍ ، يَقُولُ فَيُفْهِمُ ، وَيَسْكُتُ فَيَسْلَمُ . قَدْ أَخْلَصَ للّهِ فَاسْتَخْلَصَهُ ، فَهُوَ مِنْ مَعَادِنِ دِينِهِ ، وَأَوْتَادِ أَرْضِهِ . قَدْ أَلْزَمَ نَفْسَهُ الْعَدْلَ ، فَكَانَ أَوَّلَ عَدْلِهِ نَفْيُ الْهَوَى عَنْ نَفْسِهِ . يَصِفُ الْحَقَّ وَيَعْمَلُ بِهِ ، لاَ يَدَعُ لِلْخَيْرِ غَايَةً إِلاَّ أَمَّهَا ، وَلاَ مَظِنَّةً إِلاَّ قَصَدَهَا ، قَدْ أَمْكَنَ الْكِتَابَ مِنْ زِمَامِهِ ، فَهُوَ قَائِدُهُ وَإِمَامُهُ ، يَحُلُّ حَيْثُ حَلَّ ثَقَلُهُ ، وَيَنْزِلُ حَيْثُ كَانَ مَنْزِلُهُ .
الشّرْحُ :
استشعر الحزن : جعله كالشعار ، وهو ما يلِي الجسد من الثياب . وتجلبَب الخوف : جعله جلبابا ، أي ثوبا . زهر مصباح الهدى : أضاء . وأعدّ القِرَى ليومه ، أي أعدّ ما قدمه من الطاعات قرىً لضيف الموتِ النازل به . والفُرات : العذب .
وقوله : « فشرب نَهلاً » ؛ يجوز أن يكون أراد بقوله : « نَهَلاً » المصدرَ ، من نَهَلَ يَنْهَلُ نَهَلاً ، أي شرب حتى رَوِيَ ، ويجوز أن يريد بالنَّهَل الشرب الأول خاصة ، ويريد أنه اكتفى بما شربه أولاً ، فلم يحتج إلى العَلل . وطريق جَدَدٌ : لا عثار فيه لقوة أرضه . وقطع غِماره ؛ يقال : بحر غَمْر ، أي كثير الماء ، وبحار غِمار . واستمسك من العرى بأوثقها ؛ أي من العقود الوثيقة ، قال تعالى : « فَقَدِ استَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الوُثْقَى » ۱ . ونصب نفسه للّه ، أي أقامها . كشّاف عَشَوات : جمع عُشْوة وعَشْوة وعِشْوة ، بالحرَكات الثلاث ، وهي الأمر الملتبس ؛ يقال : أوطأني عَشْوةً . والمعضِلات : جمع معضلة وهي الشدائد والأُمور التي لا يهتدى لوجهها . دليل فلوات ، أي يُهتدى به كما يَهتدي الركب في الفلاة بدليلهم . أمّها : قصدها . ومظنّة الشيء : حيث يُظنّ وجوده . والثَّقَل . متاع المسافر وحشَمه . واعلم أنّ هذا الكلام منه أخذ أصحاب