فَإِنْ عَزَبَ ذلِكَ عَنْكُمْ فَلاَ يَغْلِبِ الْحَرَامُ صَبْرَكُمْ ، وَلاَ تَنْسَوْا عِنْدَ النِّعَمِ شُكْرَكُمْ ، فَقَدْ أَعْذَرَ اللّهُ إِلَيْكُمْ بِحُجَجٍ مُسْفِرَةٍ ظَاهِرَةٍ ، وَكُتُبٍ بَارِزَةِ الْعُذْرِ وَاضِحَةٍ .
الشّرْحُ :
فسّر عليه السلام لفظ الزّهّادة ، وهي الزّهد ، بثلاثة أُمور وهي : قِصر الأمل ، وشكر النعمة ، والورَع عن المحارم ، فقال : لا يسمّى الزّاهد زاهدا حتى يستكمِل هذه الأُمور الثلاثة ، ثم قال : « فإن عزب ذلك عنكم » ، أي بَعُدَ ، فأمران من الثلاثة لابدّ منهما ؛ وهما الورع وشكر النعم ، جعلهما آكد وأهمّ من قصر الأمل .
واعلم أنّ الزهد في العُرْف المشهور هو الإعراض عن متاع الدنيا وطيباتها، لكنه لما كانت الأُمور الثلاثة طريقا موطئة إلى ذلك أطلَق عليه السلام لفظ الزهد عليها على وجه المجاز .
وقوله : « فقد أعذر اللّه إليكم » أي بالغ ؛ يقال : أعذَر فلان في الأمر أي بالغ فيه ، ويقال : ضُرِب فلان فأعذر ، أي أشرف على الهلاك ؛ وأصل اللفظة من العذر ؛ يريد أنه قد أوضحَ لكم بالحجج النيّرة المشرقة ما يجب اجتنابُه ، وما يجب فعله ؛ فإن خالفتم استوجبتُم العقوبة ؛ فكان له في تعذيبكم العذر .
۸۱
الأصْلُ :
۰.ومن كلام له عليه السلام في صفة الدنيامَا أَصِفُ مِنْ دَارٍ أَوَّلُهَا عَنَاءٌ ، وَآخِرُهَا فَنَاءٌ ! فِي حَلاَلِهَا حِسَابٌ ، وَفِي حَرَامِهَا عِقَابٌ . مَنِ اسْتَغْنَى فِيهَا فُتِنَ ، وَمَنِ افْتَقَرَ فِيهَا حَزِنَ ، وَمَنْ سَاعَاهَا فَاتَتْهُ ، وَمَنْ قَعَدَ عَنْهَا وَاتَتْهُ ، وَمَنْ أَبْصَرَ بِهَا بَصَّرَتْهُ ، وَمَنْ أَبْصَرَ إِلَيْهَا أَعْمَتْهُ .