207
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

الأصل ؛ لأنّها المدعو إليه ، إلاّ أنّها لما كانت للضمير فتحت ، أي أدعوكم أيُّها الرجال لتقضُوا العجب من هذه الحسْرة .
وهذا الكلام من مواعظ أمير المؤمنين البالغة .

۶۴

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامالْحَمْدُ للّهِ الَّذِي لَمْ تَسْبِقْ لَهُ حَالٌ حَالاً ، فَيَكُونَ أَوَّلاً قَبْلَ أَنْ يَكُونَ آخِرا ، وَيَكُونَ ظَاهِرا قَبْلَ أَنْ يَكُونَ بَاطِنا ؛ كُلُّ مُسَمّىً بِالْوَحْدَةِ غَيْرُهُ قَلِيلٌ ، وَكُلُّ عَزِيزٍ غَيْرُهُ ذَلِيلٌ ، وَكُلُّ قَوِيٍّ غَيْرُهُ ضَعِيفٌ ، وَكُلُّ مَالِكٍ غَيْرُهُ مَمْلُوكٌ ، وَكُلُّ عَالِمٍ غَيْرُهُ مُتَعَلِّمٌ ، وَكُلُّ قَادِرٍ غَيْرُهُ يَقْدِرُ ويَعْجَزُ ، وَكُلُّ سَمِيعٍ غَيْرُهُ يَصَمُّ عَنْ لَطِيفِ الْأَصْوَاتِ ، وَيُصِمُّهُ كَبِيرُهَا ، وَيَذْهَبُ عَنْهُ مَا بَعُدَ مِنْهَا ، وَكُلُّ بَصِيرٍ غَيْرُهُ يَعْمَى عَنْ خَفِيِّ الْأَلْوَانِ وَلَطِيفِ الْأَجْسَامِ ، وَكُلُّ ظَاهِرٍ غَيْرُهُ بَاطِنٌ ، وَكُلٌ بِاطِنٍ غَيْرُهُ غَيْرُ ظَاهِرٍ .
لَمْ يَخْلُقُ مَا خَلَقَهُ لِتَشْدِيدِ سُلْطَانٍ ، وَلاَ تَخَوُّفٍ مِنْ عَوَاقِبَ زَمَانٍ ، وَلاَ اسْتِعَانَةٍ عَلَى نِدٍّ مُثَاوِرٍ ، وَلاَ شَرِيكٍ مُكَاثِرٍ ، وَلاَ ضِدٍّ مُنَافِرٍ ؛ وَلكِنْ خَلاَئِقُ مَرْبُوبُونَ ، وَعِبَادٌ دَاخِرُونَ ، لَمْ يَحْلُلْ فِي الْأَشْيَاءِ فَيُقَالَ : هُوَ فيها كَائِنٌ ، وَلَمْ يَنْأَ عَنْهَا فَيُقَالَ : هُوَ مِنْهَا بَائِنٌ .
لَمْ يَؤُدْهُ خَلْقُ مَا ابْتَدَأَ ، وَلاَ تَدْبِيرُ مَا ذَرَأَ ، وَلاَ وَقَفَ بِهِ عَجْزٌ عَمَّا خَلَقَ ، وَلاَ وَلَجَتْ عَلَيْهِ شُبْهَةٌ فِيمَا قَضَى وَقَدَّرَ ، بَلْ قَضَاءٌ مُتْقَنٌ ، وَعِلْمٌ مُحْكَمٌ ، وَأَمْرٌ مُبْرَمٌ . الْمَأْمُولُ مَعَ النِّقَمِ ، الْمَرْهُوبُ مَعَ النِّعَمِ!


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
206

وقوله : « فقد جُدّ بكم » أي حثِثتم على الرحيل ؛ يقال : جَدَّ الرحيل ، وقد جُدّ بفلان ، إذا أُزعج وحُثّ على الرحيل . واستعدُّوا للموت ، يمكن أن يكون بمعنى « أعدُّوا » ، فقد جاء « استفعل » بمعنى « أفعل » كقولهم : استجاب له ، أي أجابه . ويمكن أن يكون بمعنى الطّلَب ؛ كما تقول : استطعم ، أي طلب الطعام ، فيكون بالاعتبار الأول ، كأنّه قال : أعدُّوا للموت عُدّة ، وبمعنى الاعتبار الثاني كأنه قال : اطلبوا للموت عُدّة .
وأظلّكم : قربُ منكم ، كأنّه ألقى عليهم ظلّه ، وهذا من باب الاستعارة . والعبَث : اللعب ، أو ما لا غرض فيه ، أو ما لا غرضَ صحيح فيه .
وقوله : « ولم يترككم سُدىً » أي مهمَلين . وقوله : « أن ينزل به » موضعُه رفع ؛ لأ نّه بدلٌ من « الموت » ، والغائب المشار إليه هو الموت . ويحدوه الجديدان : يسوقه الليل والنهار ، وقيل : الغائب هنا هو الإنسان يَسُوقه الجديدان إلى الدار التي هي داره الحقيقيّة ، وهي الآخرة ؛ وهو في الدنيا غائب على الحقيقة عن داره التي خلق لها ؛ والأول أظهر .
وقوله : « فتزوّدوا في الدنيا من الدنيا » كلامٌ فصيح ؛ لأنّ الأمر الذي به يتمكّن المكلّف من إحراز نفسه في الآخرة ؛ إنما هو يكتسبه في الدنيا منها ، وهو التقوى والإخلاص والإيمان .
والفاء في قوله : « فاتّقَى عبد ربَّه » لبيان ماهيّة الأمر الذي يحرزُ الإنسان به نفسَه ولتفصيل أقسامه وأنواعه ، كما تقول : فعل اليوم فلان أفعالاً جميلة ؛ عن فلان ، وفعل كذا . وقد روي : « اتقى عبد ربّه » بلا فاء ، بتقدير « هلاّ » ، ومعناه التحضيض .
وقد روي : « ليسوّفها » بكسر الواو وفتحها ؛ والضمير في الرواية الأُولى يرجع إلى نفسه ، وقد تقدم ذكرها قبلُ بكلمات يسيرة . ويجوز أن يعنى به : ليسوّف التوبة ، كأنّه جعلها مخاطبة يقول لها : سوف أوقعك ؛ والتسويف أن يقول في نفسه : سوف أفعل ؛ وأكثر ما يستعمل للوعد الذي لا نَجَاز له . ومن روى بفتح الواو جعله فعلَ ما لم يسمّ فاعله ، وتقديره : ويمنّيه الشيطان التوبة ، أي يجعلها في أُمنيته ليكون مسوّفا إياها ؛ أي يعدّ من المسوَّفين المخدوعين .
وقوله : « فيا لَها حسرة » ، يجوزُ أن يكونَ نادى الحسرة ، وفتحة اللام على أصل نداء المدعو ؛ كقولك : يا لَلرجال ؛ ويكون المعنى : هذا وقتك أيتها الحسرة فاحضرِي . ويجوز أن يكون المدعو غير الحسرة ، كأنه قال : يا للرجال لِلْحسْرةِ ! فتكون لامها مكسورة نحو

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8398
صفحه از 712
پرینت  ارسال به