فَأُوبُوا شَرَّ مَآبٍ ، وَارْجِعُوا عَلَى أَثَرِ الْأَعْقَابِ .
أَمَا إِنَّكُمْ سَتَلْقَوْنَ بَعْدِي ذُلاًّ شَامِلاً ، وَسَيْفا قَاطِعا ، وَأَثَرَةً يَتَّخِذُهَا الظَّالِمونَ فِيكُمْ سُنَّةً .
قال الرضي رحمه الله :
قوله عليه السلام : « ولا بقي منكم آبر » ، يروى على ثلاثة أوجه :
أحدها : أن يكون كما ذكرناه : (آبِرٌ) بالراء ، من قولهم : رجلٌ آبر للذي يأبر النخل ، أي يصلحه .
ويروى : «آثِرٌ» بالثَّاء ، بثلاث نقطٍ ، يُراد به الذي يأثر الحديث ، أي يرويه ويحكيه ، وهو أصح الوجوه عندي ، كأنه عليه السلام قال : لا بقي منكم مخبر .
ويروى : «آبِز» بالزاي المعجمة ، وهو الواثب ، والهالك أيضا يقال له : آبز .
الشّرْحُ :
الحاصب : الريح الشديدة التي تُثير الحصباء ؛ وهو صغار الحصى ؛ ويقال لها أيضا حَصِبَهْ .
فأمّا التفسيرات التي فَسّر بها الرضيّ رحمه اللّه تعالى قوله عليه السلام : « آبر » فيمكن أن يزاد فيها ، فيقال : يجوز أن يريد بقوله : « ولا بقي منكم آبِر » أي نَمّام يفسد ذات البين ؛ والمئبرَة : النميمة ، وأبر فلان ، أي نَمَّ ، والآبر أيضا : مَنْ يبغي القوم الغوائل خفْيةً ، مأخوذ من أبَرْتُ الكلب إذا أطعمتَه الإبرة في الخبز ؛ وفي الحديث : « المؤمن كالكلب المأبور » ؛ ويجوز أنْ يكون أصلُه « هابر » ؛ أي مَنْ يضرب بالسيف فيقطع ؛ وأُبدلت الهاء همزة ، كما قالوا في « آل » : أهل ؛ وإن صحّت الرواية الأُخرى « آثر » بالثاء بثلاث نقط ، فيمكن أن يريد به ساجي باطن خُفّ البعير ؛ وكانوا يُسَجُّون باطن الخفّ بحديدة ليقتصّ أثره ؛ رجل آثر وبعير مأثور .
وقوله عليه السلام : « فأوبوا شرّ مآب » ، أي ارجعوا شرّ مرجع . والأعقاب : جمع عَقِب بكسر القاف ؛ وهو مؤخّر القدم ، وهذا كله دعاء عليهم ، قال لهم أوّلاً : أصابكم حاصِب ، وهذا من دعاء العرب . ثم قال لهم ثانيا : « لا بقى منكم مخبر » . ثم قال لهم ثالثا : « ارجعوا شَرّ مرجع » ، ثم قال لهم رابعا : « عودوا على أثر الأعقاب » ، وهو مأخوذ من قوله تعالى : « وَنُرَدُّ عَلَى أعْقَابِنَا بَعْدَ إذْ هَدَانَا اللّهُ » ۱ ، والمراد انعكاس حالهم ، وعوْدهم من العِزّ إلى الذلّ ، ومن