والجواب : أمّا الذي يقوله أصحابنا في ذلك فإنه لا فرق عندهم بين سبّه والتبرّؤ منه ، في أنّهما حرام وفسق وكبيرة .
فأمّا الإمامية فتروي عنه عليه السلام أنه قال : « إذا عُرِضتم على البراءة منّا فمدّوا الأعناق ».
ويقولون : إنه لا يجوز التبرّؤ منه ؛ وإن كان الحالف صادقا ، وإنّ عليه الكفارة .
ويقولون : إنّ حكم البراءة من اللّه تعالى ومن الرسول صلى الله عليه و آله ومنه عليه السلام ومن أحد الأئمة عليهم السلام ، حكم واحد .
ويقولون : إنّ الإكراه على السبّ يُبيح إظهاره ؛ ولا يجوز الاستسلام للقتل معه ، وأمّا الإكراه على البراءة ؛ فإنه يجوز معه الاستسلام للقتل ويجوز أن يظهر التّبرّؤ ، والأوْلى أن يستسلم للقتل .
المسألة الخامسة : أن يقال : كيف عَلّل نهيَه لهم على البراءة منه عليه السلام ، بقوله : « فإني ولدْت على الفطرة » ، فإن هذا التعليل لا يختص به عليه السلام ؛ لأنّ كلّ أحدٍ يولَد على الفطرة .
والجواب : أنه عليه السلام عَلّل نهيه لهم عن البراءة منه بمجموع أُمور وعلل ؛ وهي كونه ولد على الفطرة ، وكونه سبق إلى الإيمان والهجرة ، ولم يعلل بآحاد هذا المجموع ، ومراده هاهنا بالولادة على الفطرة أنه لم يولَدْ في الجاهلية ؛ لأ نّه ولد عليه السلام لثلاثين عاما مضت من عام الفيل ؛ والنبيّ صلى الله عليه و آله أرسِل لأربعين سنة مضت من عام الفيل ؛ وقد جاء في الأخبار الصحيحة أنه صلى الله عليه و آله مكَث قبل الرسالة سنين عشرا يسمع الصوت ويرى الضوء ، ولا يخاطبه أحد ؛ وكان ذلك إرهاصا لرسالته عليه السلام فحُكْم تلك السنين العَشْر حكم أيام رسالته صلى الله عليه و آله ؛ فالمولود فيها إذا كان في حجره وهو المتولّي لتربيته مولود في أيام كأيام النبوّة ، وليس بمولود في جاهلية محضة ، ففارقت حالُه حال مَنْ يدعى له من الصحابة مماثلته في الفضل . وقد روي أنّ السَّنَة التي ولد فيها عليٌّ عليه السلام هي السنة التي بُدئ فيها برسالة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، فأُسمِع الهُتاف من الأحجار والأشجار ، وكُشف عن بصره ، فشاهد أنوارا وأشخاصا ؛ ولم يخاطَب فيها بشيء .
وفي المسألة تفسير آخر ؛ وهو أن يعنى بقوله عليه السلام : « فإني ولدتُ على الفطرة » ، أي على الفِطْرة التي لم تتغيّر ولم تَحُلْ . ويمكن أن يفسر بأنه عليه السلام أراد بالفِطْرة العِصْمة ؛ وأ نّه منذ ولد لم يواقع قبيحا ؛ ولا كانَ كافراً طَرْفَة عين قطّ ، ولا مخطئا ولا غالطاً في شيء من الأشياء المتعلّقة بالدين . وهذا تفسير الإمامية .
المسألة السادسة : أن يقال : كيف قال : « وسبقتُ إلى الإيمان » ، وقد قال قوم من الناس : إنّ أبا بكر سَبَقه ، وقال قوم : إن زيد بن حارثة سبَقه؟