قال ابن سينا : أقول : إنّ هذا حُكْم لقوم ـ يعني المتكلمين وغيرهم ـ ممن يستدل عليه تعالى بأفعاله ؛ وتمام الآية : « أوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيءٍ شَهِيدٌ » .
الفصل الثالث
إن هويته تعالى غير معلومة للبشر
وذلك معنى قوله عليه السلام : « وامتنعَ عَلَى عَيْن البصير » ، وقوله : « ولا قلْبُ من أثبته يبصره » ، وقوله : « ولم يُطْلع العقولَ على تحديد صفته » ؛ فنقول : إنّ جمهورَ المتكلمين زعموا أنّا نعرف حقيقة ذات الإله ، ولم يتحاشوا من القول بأنّه تعالى لا يعلم من ذاته إلاّ ما نعلمه نحن منها .
وذهب ضِرار بن عمرو ۱ : أنّ للّهِ تعالى ماهيةً لا يعلمها إلاّ هو ؛ وهذا هو مذهب الفلاسفة .
الفصل الرابع
نفي تشبيهه بشيءٍ من مخلوقاته
وهو معنى قوله عليه السلام : « بعد وقرب » ، أي في حال واحدة ، وذلك يقتضي نفيَ كونه تعالى جسما . وكذلك قوله عليه السلام : « فلا استعلاؤه باعدَه ، ولا قربُه ساواهم في المكان به » ، فنقول : إنّ مذهبَ جُمهور المتكلمين نفيُ التشبيه ، وهذا القول يتنوّع أنواعا :
النوع الأول : نفي كونه تعالى جسما مركبا ، أو جوهرا فرداً غير مركب ، والمراد بالجوهر هاهنا الجرْم والحجم . وهو قول المعتزلة وأكثر محقِّقي المتكلّمين من سائر الفرق ، وإليه ذهبت الفلاسفة أيضا .