165
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

النبيّ صلى الله عليه و آله من أخبار المَلاحِم والغائبات ، وقد كان شكّ منهم جماعة في أقواله ؛ ومنهم مَنْ واجهه بالشكّ والتهمة .
الفصل الرابع : وهو من قوله : « فنظرت في أمري .. » إلى آخر الكلام ، هذه كلمات مقطوعة من كلام يذكر فيه حاله بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، وأنه كان معهودا إليه ألاّ ينازِعَ في الأمر ، ولا يثيرَ فتنة ، بل يطلبه بالرفق ؛ فإن حَصَل له وإلاّ أمسك .
هكذا كان يقول عليه السلام ، وقوله الحق ، وتأويلُ هذه الكلمات : فنظرت فإذا طاعتِي لرسول اللّه صلى الله عليه و آله ، أي وجوب طاعتي ، فحذف المضاف ، وأقام المضاف إليه مقامه .
قد سَبَقَت بيعتي للقوم ؛ أي وجوب طاعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله عليّ ، ووجوب امتثالي أمرَه سابقٌ على بَيْعتي للقوم ، فلا سبيلَ لي إلى الامتناع من البَيْعة ؛ لأنّه صلى الله عليه و آله أمرَني بها .
وإذا الميثاق في عُنُقي لغيري ؛ أي رسول اللّه صلى الله عليه و آله أخذ عليّ الميثاق بترك الشِّقاق والمنازعة ، فلم يحلّ لي أن أتعدّى أمرَه ، أو أُخالف نهيَه ۱ .
صرّح شيخنا أبو القاسم البلخي رحمه اللّه تعالى : أنه ـ يعني عليا عليه السلام هو ـ الأفضل والأحق بالإمامة ، وصرّح به تلامذتُه ، وقالوا : لو نازع عَقِيْب وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلّ سيفه لحكمْنا بهلاك كلّ من خالفه وتقدّم عليه ، كما حكمنا بهلاك مَنْ نازعه حين أظهر نفسه ، ولكنّه مالك الأمر وصاحب الخلافة ؛ إذا طلبها وجب علينا القول بتفسيق مَنْ ينازعه فيها ، وإذا أمسك عنها وجب علينا القول بعدالة من أغضى له عليها ، وحكمه في ذلك حكم رسول اللّه صلى الله عليه و آله ؛ لأنّه ثبت عنه في الأخبار الصحيحة أنّه قال : « علي مع الحق ، والحق مع

1.إنّه عليه السلام إنّما لم يُعلن الحرب على من اغتصب حقّه في الخلافة ؛ لأنّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم أوصاه بالصبر وعدم المقاومة ، وليس في وسعه إلاّ أن يسمع ويطيع ، لأنّ طاعة رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم أمانة في عنقه . كما أن في صبره وقعوده مصالح ، منها ما ذكره المدائني من قوله عليه السلام : « وايم اللّه لولا مخافة الفرقة بين المسلمين ، وأن يعود الكفر ، ويبور الدين ؛ لكنّا على غير ما كنّا لهم » . شرح ابن الحديد : ۱/۳۰۷ . شرح الخطبة ۲۲ . وهناك مصالح ذكر بعضها الشيخ المفيد ؛ ، منها : إنّ الإمام المعصوم من الخطأ والزلل لا اعتراض عليه في قيامه وقعوده . وثانيا : أنّه عليه السلام علم أن في المخالفين من يرجع عن الباطل إلى الحق بعد مدة فكان ترك قتله مصلحة . وثالثا : يمكن أن يكون شفقة منه على ولده وشيعته أن يصطلموا فينقطع نظام الإمامة . رسائل الشيخ المفيد : ص۱۸۲ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
164

مقصدا واحدا .
فالفصل الأول : وهو من أول الكلام إلى قوله : « واستبددت برهانها » ، يذكُر فيه مقاماتِه في الأمر بالمعروف والنّهي عن المنكر أيامَ أحداث عثمان ، وكَوْن المهاجرين كلّهم لم ينكِروا ولم يُواجِهوا عثمانَ بما كان يواجِههُ به وينهاه عنه ؛ فهذا هو معنى قوله : « فقمت بالأمر حين فَشِلوا » ، أي قمت بإنكار المنكر حين فشل أصحاب محمد صلى الله عليه و آله عنه . والفَشَل : الخَوَر والجُبْن .
قال : « ونطقتُ حين تعتعوا » ، يقال : تعتع فلان ؛ إذا تردّد في كلامه من عِيّ أو حَصَر . قوله : « وتطلّعتُ حين تقبّعوا » ، امرأةٌ طُلَعةٌ قُبَعةٌ ، تَطلع ثم تقبَع رأسها ، أي تدخله كما يقبَعُ القنفذُ ، يدخُل برأسه في جلده ، وقد تقبّع الرجُل ، أي اختبأ ، وضدّه تطلّع .
قوله « وكنت أخفضَهم صوتاً ، وأعلاهم فَوْتا » يقول : علوتُهم وفتّهم وشأوتهم سَبْقا ، وأنا مع ذلك خافِض الصوت ، يشير إلى التّواضع ونفي التكبّر .
قوله : « فطرت بعنانها ، واستبددت برهانها » ، يقول : سبقتهم ، وهذا الكلامُ استعارة من مُسابقة خَيْل الحلبة . واستبددت بالرهان ، أي انفردت بالخَطَر ، الذِي وقع التراهُنُ عليه .
الفصل الثاني : فيه ذكر حالِه عليه السلام في الخِلافة بعد عثمان ، يقول : كنتُ لمّا وَلِيتُ الأمر كالجبل لا تحرّكُه القواصِف ، يعني الرياح الشديدة ، ومثله العواصف .
والمهمز : موضع الهمز ؛ وهو العيب ، وكذاك المغمز .
ثم قال : « الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له ، والقويّ عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه » ؛ هذا آخر الفصل الثاني ، يقول : الذليل المظلوم أقُوم بإعْزازه ونَصْره ، وأُقوّي يدَه إلى أن آخذ الحقّ له ، ثم يعود بعد ذلك إلى الحالة التي كان عليها قبل أن أقومَ بإعزازه ونصره ، والقويّ الظالم أستضعِفه وأقهَرُه وأذلّه إلى أن آخذَ الحقَّ منه ، ثم يعود إلى الحالة التي كان عليها قَبْل أن أهتضِمَه لاستيفاء الحق .
الفصل الثالث : من قوله : « رضينا عن اللّه قضاءَه » ، إلى قوله : « فَلا أكونُ أوّلَ مَنْ كذَب عليه ۱ » ؛ هذا كلامٌ قاله عليه السلام لمّا تفرّس في قوم من عَسْكره أنّهم يتّهمونه فيما يخبرهم به عن

1.هذه الجملة غير مرتبطة بالتي قبلها ، وأن ما قبلها غير مرتبط بسابقه ، ولا ريب أنّ السيد الرضي اقتطعها من خطبة واحدة أو متعددة ، فأُشكل معناها ، واللّه العالم . « الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، في تعليقته على شرح النهج لمحمد عبده » .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8724
صفحه از 712
پرینت  ارسال به