قال الرضي رحمه الله :
وَهو عليه السلام أَوَّلُ مَنْ سُمِعَتْ منْهُ هذه الْكَلمة ، أَعنِي : « فَمَا عَدَا مِمَّا بَدَا » .
الشّرْحُ :
ليستفيئه إلى طاعته ، أي يسترجعه ؛ فاء ، أي رجع ، ومنه سُمِّيَ الفيء للظلّ بعد الزوال . وجاء في رواية : « فإنك إن تَلْقَه تُلْفِه » أي تجده ، ألفيتُه على كذا ، أي وجدته . وعاقصاً قَرْنه ، أي قد عَطَفه ، تَيْس أعقص ، أي قد التوى قرناه على أُذنيه ، والفعل فيه عَقَص الثور قرنه ، بالفتح .
وقوله : « يركب الصَّعْب » ، أي يستهين بالمستصعَب من الأُمور ، يصفه بشَراسة الخُلقُ والبَأْو ۱ ، وكذلك كان طلحة ، وقد وصَفَه عمر بذلك . ويقال : إنّ طلحة أحدَثَ يومِ أُحُدٍعنده كِبْرا شديداً لم يكن ، وذاك لأنّه أغْنَى ۲ في ذلك اليوم ، وأبلى بلاءً حسناً . والعريكة هاهنا : الطبيعة ، يقال : فلان لَيّن العرِيكة ، إذا كان سَلِسا .
وقوله عليه السلام لابن عباس : « قل له يقول لك ابن خالك » لطيف جدا ، وهو من باب الاستمالة والإذْ كار بالنَّسب والرحِم ، ألا تَرَى أنّ له في القلْب من الموقع الداعي إلى الإنقياد ما ليس لقوله : « يقول لك أمير المؤمنين » ! ومن هذا الباب قوله تعالى في ذكر موسى وهارون : « وألقى الألواح وأخذ برأس أخيه يجرّه إليه قال ابن أمّ إن القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني » ، لما رأى هارون غضب موسى واحتدامه ، شرع معه في الاستمالة والملاطفة ، فقال له : « ابن أُم » وأذكره حقَّ الأُخوة ، وذلك أدعى إلى عطْفه عليه من أن يقول له : « يا موسى » أو« يا أيها النبي » .
فأمّا قوله عليه السلام : « فما عدا مما بدا » ، فعدَا بمعنى صرف و « مِنْ » ها هنا بمعنى « عن » .
ويصير ترتيبُ الكلام وتقديره : فما صرَفك عَمّا كان بدا منك ! أي ظَهَر ، والمعنى : ما الّذي صدَّك عن طاعتي بعد إظهارك لها!