141
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

۲۷

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامأَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الْجِهَادَ بَابٌ مِنْ أَبْوَابِ الْجَنَّةِ ، فَتَحَهُ اللّهُ لِخَاصَّةِ أَوْلِيَائِهِ ، وَهُوَ لِبَاسُ التَّقْوى ، وَدِرْعُ اللّهِ الْحَصِينَةُ ، وَجُنَّتُهُ الْوَثِيقَةُ . فَمَنْ تَرَكَهُ رَغْبَةً عَنْهُ أَلْبَسَهُ اللّهُ ثَوْبَ الذُّلِّ ، وَشَمِلَهُ الْبَلاَءُ ، وَدُيِّثَ بِالصَّغَارِ وَالْقَمَاءَةِ وَضُرِبَ عَلَى قَلْبِهِ بِالاْءِسْهَابِ ، وَأُدِيلَ الْحَقُّ مِنْهُ بِتَضْيِيعِ الْجِهَادِ ، وَسِيمَ الْخَسْفَ ، وَمُنِعَ النَّصَفَ .
أَلاَ وَإِنِّي قَدْ دَعَوْتُكُمْ إِلَى قِتَالِ هؤُلاءِ الْقَوْمِ لَيْلاً وَنَهَارا ، وَسِرِّا وَإِعْلاَنا ، وَقُلْتُ لَكُمْ : اغْزُوهُمْ قَبْلَ أَنْ يَغْزُوكُمْ ، فَوَاللّهِ مَا غُزِيَ قَوْمٌ قَطُّ في عُقْرِ دَارِهِمْ إِلاَّ ذَلُّوا . فَتَواكَلْتُمْ وَتَخَاذَلْتُمْ حَتَّى شُنَّتْ عَلَيْكُمُ الْغَارَاتُ ، وَمُلِكَتْ عَلَيْكُمُ الْأَوْطَانُ .
وَهـذَا أَخُو غَامِدٍ وَقَدْ وَرَدَتْ خَيْلُهُ الْأَنْبَارَ ، وَقَدْ قَتَلَ حَسَّانَ بْنَ حَسَّانَ الْبَكْرِيَّ ، وَأَزَالَ خَيْلَكُمْ عَنْ مَسَالِحِهَا ، وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ مِنْهُمْ كَانَ يَدْخُلُ عَلَى الْمَرْأَةِ الْمُسْلِمَةِ وَالْأُخْرَى الْمُعَاهَدَةِ ، فَيَنْتَزِعُ حِجْلَهَا وَقُلْبَهَا وَقَلاَئِدَهَا وَرُعُثَهَا ، مَا تَمْتَنِعُ مِنْهُ إِلاَّ بِالاِسْتِرْجَاعِ وَالاِسْتِرْحَامِ . ثُمَّ انْصَرَفُوا وَافِرِينَ مَا نَالَ رَجُلاً مِنْهُمْ كَلْمٌ ، وَلاَ أُرِيقَ لَهُمْ دَمٌ ؛ فَلَوْ أَنَّ امْرَأً مُسْلِما مَاتَ مِنْ بَعْدِ هـذَا أَسَفا مَا كَانَ بِهِ مَلُوما ، بَلْ كَانَ بِهِ عِنْدِي جَدِيرا!
فَيَا عَجَبا ! عَجَبا ـ وَاللّهِ ـ يُمِيتُ الْقَلْبَ وَيَجْلِبُ الْهَمَّ مِن اجْتِمَاعِ هؤُلاَءِ الْقَوْمِ عَلَى بَاطِلِهِمْ ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَن حَقِّكُمْ ! فَقُبْحا لَكُمْ وَتَرَحا ، حِينَ صِرْتُمْ غَرَضا يُرْمى ؛ يُغَارُ عَلَيْكُمْ وَلاَ تُغِيرُونَ ، وَتُغْزَوْنَ وَلاَ تَغْزُونَ ، وَيُعْصَى اللّهُ وَتَرْضَوْنَ!
فَإِذَا أَمَرْتُكُمْ بِالسَّيْرِ إِلَيْهِمْ فِي أَيَّامِ الْحَرِّ قُلْتُمْ : هـذِهِ حَمَارَّةُ الْقَيْظِ ، أَمْهِلْنَا يُسَبَّخُ


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
140

وأمّا امتناع علي عليه السلام من البيعة حتى أُخرج على الوجه الذي أُخرج عليه ، فقد ذكره المحدّثون ورواه أهل السير .

الأصْلُ :

۰.ومنها :
وَلَمْ يُبَايِعْ حَتَّى شَرَطَ أَنْ يُؤْتِيَه عَلَى الْبَيْعَةِ ثَمَنا ، فَلاَ ظَفِرَتْ يَدُ الْبَائِعِ ، وَخَزِيَتْ أَمَانَةُ الْمُبْتَاعِ ، فَخُذُوا لِلْحَرْبِ أُهْبَتَهَا ، وَأَعِدُّوا لَهَا عُدَّتَهَا فَقَدْ شَبَّ لَظَاهَا ، وَعَلاَ سَنَاهَا ، وَاسْتَشْعِرُوا الصَّبْرَ ، فَإِنَّهُ أَدْعَى إِلَى النَّصْرِ .

الشّرْحُ :

هذا فصل من كلام يذكر فيه عليه السلام عمرو بن العاص . وقوله : « فلا ظفِرت يد البائع » ، يعني معاوية . وقوله : « وخزِيَتْ أمانة المبتاع » ، يعني عمرا ، وخزيت ، أي خسرت وهانت . وفي أكثر النسخ « فلا ظفرت يد المبايع » ، بميم المفاعلة ، والظاهر ما رويناه .
وفي بعض النسخ « فإنه أحزم للنصر » ، من حَزَمْتُ الشيء إذا شددتَه ، كأنّه يشدّ النصر ويوثِّقه . والرواية التي ذكرناها أحسن .
والأُهبة : العدّة . وشبّ لظاها استعارة ، وأصله صعود طرف النار الأعلى . والسنا : الضوء . واستشعروا الصبر : اتخذوه شعارا ، والشِّعار : ما يلي الجسد من الثياب ؛ وهو ألزم الثياب للجسد ؛ يقول : لازموا الصبر كما يلزم الإنسان ثوبَه الذي يلي جِلْدَه لابدّ له منه ، وقد يستغنى عن غيره من الثياب .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8376
صفحه از 712
پرینت  ارسال به