137
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

بالسرعة إذا دُعوا ، والإغاثة إذا استغيثوا ، والدليل على ذلك قوله :
«هنالك ، لو دعوت ، أتاك منهم ... »

الشّرْحُ :

الأعاصير : جمع إعصار ، وهي الريح المستديرة على نفسها ، قال اللّه تعالى : « فَأَصَابَهَا إعْصَارٌ فِيهِ نَارٌ » ۱ . والوضَرُ : بقيّة الدَّسَم في الإناء . وقد اطّلع اليمن ، أي غشِيَهَا وغزاها وأغار عليها .
وقوله : « سَيُدالون منكم » ، أي يَغْلبُونكم وتكون لهم الدولة عليكم . وماث زيد الملح في الماء : أذابه .
وبنو فِراس بن غَنمْ بن ثعلبة بن مالك بن كنانة ، حيٌّ مشهور بالشجاعة .
وقوله عليه السلام : « ما هيَ إلاّ الكوفة » ، أي ما مَلْكَتِي إلاّ الكوفة . أقبضها وأبسطها ، أي أتصرّف فيها كما يتصرّف الإنسان في ثوبه ، يقبضه ويبسطه كما يريد .
ثم قال على طريق صرف الخِطاب : « فإن لم تكوني إلاّ أنت » ، خرج من الغيْبة إلى خطاب الحاضر ، يقول : إن لم يكنْ لي من الدنيا مُلْك إلاّ مُلْك الكوفةِ ذاتِ الفِتن ، والآراءِ المختلفة ، فأبعدها اللّه !
وشبّه ما كان يحدُث من أهلها من الاختلاف والشِّقاق بالأعاصير ؛ لإثَارتها التراب وإفسادها الأرض . ثم ذكَر عِلّة إدالة أهل الشام من أهل العراق ؛ وهي اجتماعُ كلمتهم وطاعتهم لصاحبهم ، وأداؤهم الأمانة وإصلاحهم بلادهم .
فأمّا قوله عليه السلام : « اللّهمّ أبدِلني بهمْ خيرا منهم ، وأبْدِلهم بِي شرّا مِنّي » ، ولا خيْرَ فيهم ولا شرَّ فيه عليه السلام ؛ فإن « أفعل » هاهنا بمنزلته في قوله تعالى : « أفَمَنْ يُلْقَى فِي النَّارِ خَيْرٌ أمَّنْ يَأْتِي آمِنا يَوْمَ الْقِيَامَةِ » ۲ ، وبمنزلته في قوله : « قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ » ۳ .
ويحتمل أن يكون الذي تمنّاه عليه السلام من إبداله بهم خيرا منهم قوما صالحين ينصرونه

1.سورة البقرة ۲۶۶ .

2.سورة فصّلت ۴۰ .

3.سورة الفرقان ۱۵ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
136

ثم قال عليه السلام :
أُنْبِئْتُ بُسْرا قَدِ اطَّلَعَ الْيَمَنَ ، وَإِنِّي وَاللّهِ لَأَظُنُّ أَنَّ هؤُلاءِ الْقَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِمَاعِهمْ عَلَى بَاطِلِهمْ ، وَتَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ ، وَبِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ في الْحَقِّ ، وَطَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ ۱ في الْبَاطِلِ ، وَبِأَدَائِهِمُ الْأَمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ وَخِيَانَتِكُمْ ، وَبِصَلاَحِهمْ في بِلاَدِهِمْ وَفَسادِكُمْ . فَلَوِ ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْبٍ لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلاَقَتِهِ .
اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَمَلُّونِيوَسَئِمْتُهُمْ وَسَئِمُونِي ، فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْرا مِنْهُمْ ، وَأَبْدِلْهُمْ بِي شَرَّا مِنِّي ! اللَّهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ كَمَا يُمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ ، أَمَا وَاللّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ لِي بِكُمْ أَلْفَ فَارِسٍ مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ .

هُنَالِكَ ، لَوْ دَعَوْتَ ، أَتَاكَ مِنْهُمْفَوَارِسُ مِثْلُ أَرْمِيَةِ الْحَمِيمِ

ثم نزل عليه السلام من المنبر .
قال الرضي رحمه الله :
أقول : الأرمية جمع رَميٍّ وهو السحابُ ، والحميم ها هنا : وقت الصَّيف ، وإنما خصَّ الشاعر سحاب الصيف بالذكر لأنّه أشدّ جفولاً ، وأسرع خُفوفا لأنّه لا ماء فيه ، وإنما يكون السحاب ثقيل السير لامتلائه بالماء ، وذلك لا يكون في الأكثر إلاّ زمان الشتاء ، وإنما أراد الشاعر وصفهم

1.يعني به معاوية ، وقد قال فيه ابن أبي الحديد : (معاوية بن أبي سفيان صخر بن حرب ، وأُمّه هند بنت عتبة ، أبوه قاد قريشا في حروبها ضد النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، وكان معاوية معه في ذلك . وكان على أسّ الدهر مبغضا لعلي عليه السلام ، شديد الانحراف عنه ، ومعاوية مطعون في دينه عند شيوخنا ، يرمى بالزندقة ، ويكفي في فساد حاله محاربته لعلي عليه السلام . وقد روى أصحابنا في كتبهم الكلامية عنه من الإلحاد والتعرض لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وما تظاهر به من الجبر والإرجاء . بسر بن أرطاة : بعثه معاوية إلى اليمن في جيش كثيف ، وأمر أن يقتل كل من كان في طاعة علي عليه السلام ، فقتل خلقا كثيرا) ، ثأرا لعثمان . وكان سفّاحا ، مفسدا في الأرض ، مسرفا في الدماء والحرق والنهب وهتك الحرمات . مات مجنونا بسبب دعاء الإمام علي عليه السلام عليه بقوله : ( اللهم لا تمته حتى تسلبه عقله ، ولا توجب له رحمتك ... اللهم العن بسرا وعمرا ومعاوية ، وليحلّ عليهم غضبك ... ) . أُنظر الأصل من هذا الشرح ۱ : ۳۳۴ ـ ۳۴۰ ففيه المزيد من التفصيل .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8642
صفحه از 712
پرینت  ارسال به