131
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

ثم قال على سبيل الاستصغار لهم ، والاستحقار : « مَنْ دَعَا ! وإلى ماذا أجيب ! » أي أحقِرْ بقومٍ دعاهم هذا الداعي ! وأقْبِحْ بالأمر الذي أجابوه إليه ، فما أفحشه وأرذله ! وهَبِلته أُمّه : ثَكِلته ، بكسر الباء .
وقوله : « لقد كنتُ وما أهدَّد بالحرب » ، معناه : ما زلتُ لا أُهَدَّد بالحرب ، والواو زائدة . وهذه كلمة فصيحة كثيرا ما تستعملها العرب . وقد ورد في القرآن العزيز « كان » بمعنى « ما زال » في قوله : « وَكَانَ اللّهُ عَلِيما حَكِيما » ۱ ونحو ذلك من الآي ، معنى ذلك : لم يزل اللّه عليما حكيما .
هذه الخطبة من خُطَب الجمل ، وقد ذكر كثيرا منها أبو مخنف (رحمه اللّه تعالى) .

۲۳

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلامأَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الْأَمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ كَقَطَرَاتِ الْمَطَرِ إلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا قُسِمَ لَهَا مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ لِأَخِيهِ غَفِيرَةً في أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ فَلاَ تَكُونَنَّ لَهُ فِتْنَةً ؛ فَإنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ مَا لَمْ يَغْشَ دَنَاءَةً تَظْهَرُ فَيَخْشَعَ لَهَا إِذَا ذُكِرَتْ ، وَيُغْرَى بِهَا لِئَامُ النَّاسِ ، كَانَ كَالْفَالِجِ الْيَاسِرِ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَةٍ مِنْ قِدَاحِهِ تُوجِبُ لَهُ الْمَغْنَمَ ، وَيُرْفَعُ بِهَا عَنْهُ الْمَغْرَمُ وَكَذلِكَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ الْبَرِيءُ مِنَ الْخِيَانَةِ يَنتَظِرُ مِنَ اللّهِ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ : إِمَّا دَاعِيَ اللّهِ ؛ فَمَا عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ لَهُ ، وَإِمَّا رِزْقَ اللّهِ ؛ فَإِذَا هُوَ

1.سورة النساء ۱۷۰ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
130

قَدْ فَطَمَتْ ، وَيُحْيُونَ بِدْعَةً قَدْ أُمِيتَتْ .
يا خَيْبَةَ الدَّاعِي ! مَنْ دَعَا ! وَإِلاَمَ أُجِيبَ ؟ وَإِنِّي لَرَاضٍ بِحُجَّةِ اللّهِ عَلَيْهِمْ وَعِلْمِهِ فِيهمْ . فَإِنْ أَبَوْا أَعْطَيْتُهُمْ حَدَّ السَّيْفِ ، وَكَفَى بِهِ شَافِيا مِنَ الْبَاطِلِ ، وَنَاصِرا لِلْحَقِّ!
وَمِنَ الْعَجَبِ بَعْثُهُمْ إِلَىَّ أَنْ أَبْرُزَ لِلطِّعَانِ ! وَأَنْ أَصْبِرَ لِلْجِلادِ ! هَبِلَتْهُمُ الْهَبُولُ ! لَقَدْ كُنْتُ وَمَا أُهَدَّدُ بِالْحَرْبِ ، وَلاَ أُرْهَبُ بِالضَّرْبِ ! وَإِنِّي لَعَلَى يَقِينٍ مِنْ رَبِّي ، وَغَيْرِ شُبْهَةٍ مِنْ دِيني .

الشّرْحُ :

يروى : « ذَمَر » بالتخفيف ، و « ذمّر » بالتشديد ، وأصله الحضّ والحثّ ، والتشديد دليل على التكثير . واستجلب جَلَبه ، الجلَب بفتح اللام : ما يُجلب ، كما يقال : جَمَع جَمْعَه . ويروى : « جُلْبَه » و « جِلْبَه » ، وهما بمعنىً ، وهو السحاب الرقيق الذي لا ماء فيه ، أي جمع قوماً كالجهام الذي لا نفع فيه . وروي : « ليعودَ الجَوْر إلى قِطابه » ، والقِطاب : مِزاج الخمر بالماء ، أي ليعود الجوْر ممتزِجا بالعدل كما كان . ويجوز أن يعنِيَ بالقِطاب قِطااب الجيْب ، وهو مدخل الرأس فيه ، أي ليعودَ الجوْر إلى لباسه وثوبه . ورُوِيَ « الباطلَ » بالنصب ؛ على أن يكون « يرجع » متعدياً ، تقول : رجعت زيداً إلى كذا ؛ والمعنى : ويردّ الجورُ الباطل إلى أوطانه . والنَّصف : الذي يُنصِف . يرتضعون أُمّا قد فَطَمت ، يقول : يطلبون الشيء بعد فواته ؛ لأنّ الأُم إذا فَطَمت ولدها فقد انقضى إرضاعها .
وقوله : « يا خيبة الداعي » ، هاهنا كالنداء في قوله تعالى : « يَا حَسْرَةً عَلَى الْعِبَادِ » ۱ ، وقوله : « يَاحَسْرَتَنَا عَلَى مَا فَرَّطْنَا فِيهَا » ۲ أي يا خيبة احضري ، فهذا أوانك!
وكلامُه في هذه الخطبة مع أصحاب الجمل ؛ والداعي هو أحدُ الثلاثة : الرجلان والمرأة ۳ .

1.سورة يس ۳۰ .

2.سورة الأنعام ۳۱ .

3.أي طلحة والزبير وعائشة . أما طلحة فقد كان يحرّض على قتل عثمان ولا يخفي ميله إلى الثائرين ، وأمّا الزبير ، فقد كان هواه مع الثائرين على عثمان ، ولكنه لم يتظاهر ، وأما عائشة فكانت من أشد الناس إنكارا على عثمان ، حتى اشتهر عنها قولها : اقتلوا نعثلاً ، قتل اللّه نعثلاً ، أي عثمان . ثم لما قُتل عثمان انقلبوا يطالبون الأبرياء بدمه .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8380
صفحه از 712
پرینت  ارسال به