ثم قال على سبيل الاستصغار لهم ، والاستحقار : « مَنْ دَعَا ! وإلى ماذا أجيب ! » أي أحقِرْ بقومٍ دعاهم هذا الداعي ! وأقْبِحْ بالأمر الذي أجابوه إليه ، فما أفحشه وأرذله ! وهَبِلته أُمّه : ثَكِلته ، بكسر الباء .
وقوله : « لقد كنتُ وما أهدَّد بالحرب » ، معناه : ما زلتُ لا أُهَدَّد بالحرب ، والواو زائدة . وهذه كلمة فصيحة كثيرا ما تستعملها العرب . وقد ورد في القرآن العزيز « كان » بمعنى « ما زال » في قوله : « وَكَانَ اللّهُ عَلِيما حَكِيما » ۱ ونحو ذلك من الآي ، معنى ذلك : لم يزل اللّه عليما حكيما .
هذه الخطبة من خُطَب الجمل ، وقد ذكر كثيرا منها أبو مخنف (رحمه اللّه تعالى) .
۲۳
الأصْلُ :
۰.ومن خطبة له عليه السلامأَمَّا بَعْدُ ، فَإِنَّ الْأَمْرَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ إِلَى الْأَرْضِ كَقَطَرَاتِ الْمَطَرِ إلَى كُلِّ نَفْسٍ بِمَا قُسِمَ لَهَا مِنْ زِيَادَةٍ أَوْ نُقْصَانٍ ، فَإِنْ رَأَى أَحَدُكُمْ لِأَخِيهِ غَفِيرَةً في أَهْلٍ أَوْ مَالٍ أَوْ نَفْسٍ فَلاَ تَكُونَنَّ لَهُ فِتْنَةً ؛ فَإنَّ الْمَرْءَ الْمُسْلِمَ مَا لَمْ يَغْشَ دَنَاءَةً تَظْهَرُ فَيَخْشَعَ لَهَا إِذَا ذُكِرَتْ ، وَيُغْرَى بِهَا لِئَامُ النَّاسِ ، كَانَ كَالْفَالِجِ الْيَاسِرِ الَّذِي يَنْتَظِرُ أَوَّلَ فَوْزَةٍ مِنْ قِدَاحِهِ تُوجِبُ لَهُ الْمَغْنَمَ ، وَيُرْفَعُ بِهَا عَنْهُ الْمَغْرَمُ وَكَذلِكَ الْمَرْءُ الْمُسْلِمُ الْبَرِيءُ مِنَ الْخِيَانَةِ يَنتَظِرُ مِنَ اللّهِ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ : إِمَّا دَاعِيَ اللّهِ ؛ فَمَا عِنْدَ اللّهِ خَيْرٌ لَهُ ، وَإِمَّا رِزْقَ اللّهِ ؛ فَإِذَا هُوَ