13
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

النثر ، مثل الدعاء ، الخاطرة ، الزيارة ، والمحاورة ، والمقالة ... الخ ، إلاّ أنه أدرجها ضمن الأبواب اللائقة بها بحسب مقياسه الجمالي والبلاغي ، وأشدّها ملامحة لغرضه : « ورأيت كلامه عليه السلام يدور على أقطاب ثلاثة ، أولها : الخطب والأوامر ؛ وثانيها : الكتب والرسائل ؛ وثالثها : الحكم والمواعظ » ۱ .
وربما يختار من خطب متعددة فصولاً ويوردها بنسق خطبة واحدة ۲ . وقد أشار إلى ذلك ابن أبي الحديد في مواضع كثيرة ففي شرح الخطبة (۱۲۱) ، فقال : « هذا الكلام يتلو بعضه بعضاً ؛ ولكنه ثلاثة فصول لا يلتصق أحدها بالآخر ؛ وهذه عادة الرضيّ ، تراه ينتخب من جملة الخطبة الطويلة كلمات فصيحة ، يوردها على سبيل التتالي ، وليست متتالية حين تكلّم بها صاحبها » ۳ .
وفي موضع آخر من شرحه قال : « هذا كلام منقطع عمّا قبله ؛ لأنّ الشريف الرضي رحمه اللهكان يلتقط الفصول التي في الطبقة العليا من الفصاحة من كلام أمير المؤمنين عليه السلام فيذكرها ، ويتخطّى ما قبلها وما بعدها » ۴ .

1. . ۵ ـ بناء على خطته في الجمع ، نراه قد يختار من الخطبة الطويلة مقطعاً منها فيقتطعه ، وربما يجمع خطبة واحدة من خطب شتى ، ويوزّع الخطبة الواحدة إلى عدة فصول ، ويدرج كلّ فصل منها في موضع مستقل ، كما أنه قد يكرر في كتابه ، الكلام الواحد أو الخطبة الواحدة لوجود رواية اُخرى تختلف عن الأُولى ، يقول رحمه الله : « وربما جاء في أثناء هذا الاختيار اللفظ المردد ، والمعنى المكرر ، والعذر في ذلك أنّ روايات كلامه عليه السلام تختلف اختلافاً شديداً . فربما اتفق الكلام المختار في رواية فنُقلَ على وجهه ، ثم وُجد بعد ذلك في رواية اُخرى ، موضوعاً في غير موضعه الأوّل ، أمّا بزيادة مختارة ، أو لفظ أحسن عبارة ، فتقتضي الحال أن يعاد ، استظهاراً للاختيار ، وغيرةً على عقائل الكلام ... » . المصدر السابق .

2.اُنظر مصادر نهج البلاغة ، ص۵۶ مصدر سابق ؛ ومدارك نهج البلاغة ، الشيخ هادي كاشف الغطاء ، ص۲۰۶ ، منشورات مكتبة الأندلس ـ بيروت .

3.شرح نهج البلاغة ، ابن أبي الحديد ۷/۲۹۸ الأصل (۱۲۱) ، تحقيق محمد أبوالفضل إبراهيم ، طبعة دار الكتب العلمية (اسماعيليان) ـ قم ، اُفست عن طبعة دار إحياء الكتب العربية (عيسى البابي الحلبي وشركاه) ـ القاهرة ۱۹۶۰ م .

4.المصدر السابق ۷/۱۸۸ الأصل (۱۰۷) ، وهي من خطب الملاحم .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
12

فابتدأ باختيار محاسن الخطب ، ثمّ محاسن الكتب ، ثم محاسن الحكم ، وكان يعترف بعجزه وقصوره عن الإحاطة بأقطار كلامه عليه السلام مع بذل الجهد وبلاغة الوسع ؛ لغزارته وسعة موارده ، يقول الرضي : « ... فأجمعت بتوفيق اللّه تعالى على الابتداء باختيار محاسن الخطب ، ثمّ محاسن الكتب ، ثمّ محاسن الحِكَم والأدب ، مفرداً لكلّ صنف من ذلك باباً ، ومفضّلاً فيه أوراقاً ، لتكون مقدمة لاستدراك ما عساه يشذّ عنّي عاجلاً ، ويقع إليّ آجلاً ... » ۱ .
۲ ـ إنّ جميع ما ضمّه النهج ، أخذه الرضي من المصادر التي سبقته زماناً ، أو التي عاصرته ؛ ولمّا لم تكن غايته فيما يختاره من كلام الإمام عليه السلام تحقيق سنده ، ولا تصحيح روايته ، بقدر اهتمامه بما ينسجم مع الجانب البلاغي والبياني الذي امتاز به ، ولذلك أدرج في النهج ما وجده أمامه من كلمات الإمام وخطبه ، وكتبه في مؤلفات المؤرخين والمحدّثين ، مما نقلوه ورووه عن الإمام عليه السلام ، وعزوه إليه من دون أن يسنده إليه ، وعذره في ذلك أنه لم يكن بعمله هذا راوياً ، بمعنى الرواة ، ولا محدّثاً على طريقة المحدثين ، الذين يدونون الروايات والأحاديث بأسانيد متصلة إلى من صدرت عنه ، وإنّما كان أديباً له حسٌّ أدبي فريد ، تغريه روائع البلاغة والبيان ، ولا يلوي على شيء آخر سواها ۲ . ولذا فإنّ الباحث لا يجد كثير صعوبة في العثور على جلّ ما في النهج في أكثر من مصدر مما قد صنّف قبل عصر الرضي رحمه الله .
۳ ـ لمّا كانت مهمّة الرضي محصورة بالجمع مع التمحيص والتحقيق والانتقاء لضبط مادة النهج ؛ لإبراز بلاغة الإمام عليه السلام وفصاحته ، فلم يراع فيما اختاره التنسيق والتتالي ، ولذا جرّت هذه الطريقة مشاكل على حساب التنسيق الفني ، ودقة التصنيف والنظم ، يقول الرضي : « وربما جاء فيما أختاره من ذلك فصول غير متّسقة ، ومحاسن كلمٍ غير منتظمة ؛ لأني أورد النكت واللّمع ، ولا أقصد التتالي والنسق » ۳ .
۴ ـ صنّف السيد الرضي (النهج) بحسب الفنون النثرية ، لا بحسب الموضوعات ، فابتدأ الخطب ، ثم الرسائل ، ثم الحكم ، وكان من الممكن أن تضاف إليه أشكالٌ اُخر من فنون

1.المصدر السابق .

2.مصادر نهج البلاغة ، الشيخ عبد اللّه نعمة ، ص۵۶ ، مطابع دار الهدى ۱۳۹۲ ه / ۱۹۷۲ م .

3.نهج البلاغة مقدمة الشريف الرضي .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8694
صفحه از 712
پرینت  ارسال به