قوله : « لا يُرْعِيَنّ » أي لا يبقينّ ، أرعيتُ عليه ، أي أبقيت ؛ يقول : مَنْ أبقى على الناس فإنما أبقى على نفسه . والهوادة : الرفق والصلح ، وأصله اللينُ ، والتهويد : المشي رويدا . وآزرتُ زيداً : أعنتَه . والتّرة : الوتْر . والرِّبقة : الحبل يُجعل في عنق الشاة . وَردِي : هلك ، من الرَّدَى ، كقولك : عَمِيَ من العَمَى ، وشجِيَ من الشَّجَى . وقولُه : « شُغِلَ مَن الجنة والنار أمامه » ؛ يريدُ به أنّ مَنْ كانت هاتان الداران أمامه لَفِي شُغل عن أُمور الدنيا إن كان رشيدا .
وقوله : « ساع مجتهد » إلى قوله : « لا سادس » كلام تقديره : المكلَّفون على خمسة أقسام : ساع مجتهد ، وطالب راج ، ومقصّر هالك . ثم قال : ثلاثة ، أي فهؤلاء ثلاثة أقسام ؛ وهذا ينظر إلى قوله سبحانه : « ثُمَّ أوْرَثْنَا الكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ ومِنْهُمْ سَابِقٌ بالخَيْراتِ بإذْنِ اللّهِ » ۱ ، ثم ذكر القسمين : الرابع والخامس ، فقال : هما مَلَك طار بجناحيه ، ونبيّ أخذ اللّه بيده ؛ يريد عِصْمَة هذين النوعين من القبيح . ثم قال : « لا سادس » ، أي لم يبق في المكلّفين قسم سادس . وهذا يقتضي أن العصمة ليست إلاّ للأنبياء والملائكة ، ولو كان الإمام يجب أن يكون معصوما لكان قسما سادسا ۲ .
وقوله : « هلك مَنِ ادَّعى ، وَرَدِيَ مَنِ اقتَحَم » ، يريد هلَك منِ ادّعى وكذب ، لابدّ من تقدير ذلك ؛ لأنّ الدعوى تعمُّ الصِّدق والكذب ، وكأنّه يقول : هَلَك منِ ادّعى الإمامة ، وَرَدِيَ من اقتحمها وَوَلَجَهَا عن غير استحقاق ؛ لأنّ كلامه عليه السلام في هذه الخطبة كلّه كنايات عن الإمامة لا عن غيرها ۳ . وقوله : « اليمين والشمال » ، مثال ؛ لأنّ السالك الطريق المَنْهَجَ اللاحب ناجٍ ، والعادل عنها يمينا وشمالاً مُعرَّض للخطر .
وقوله عليه السلام : « كالغراب » يعني الحرصَ والجشع ، والغراب يقع على الجيفة ، ويقع على الّثمرة ، ويقع على الحبّة ؛ وفي الأمثال : « أجشع من غراب » ، و « أحرص من غراب » .
وقوله : « ويحَه لو قُصّ » ، يريد لو كان قُتِل أو مات قبل أن يتلبّس بالخلافة لكان خيرا له ، من أن يعيش ويدخل فيها ، ثم قال لهم : أفكروا فيما قد قلت ، فإن كان منكَرا فأنكِروه ، وإن كان حقّا فأعينوا عليه .
1.سورة فاطر ۳۲ .
2.لا يقتضي ما قاله ؛ لأنّ الإمام عليه السلام حاله حال النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، فقوله عليه السلام «ونبي أخذ اللّه بيده » يدلّ بالدلالة العرفية بالاقتصار على أظهر الفردين وإرادة الأعم كما هو المتداول في المحاورات ، فالإمام والنبي من سنخ واحد ، النبي قد جاء بالشريعة والإمام حافظ لها . « نهج الصباغة ۴:۵۴۱ » بتصرّف .
3.تعريض بمعاوية ودعواه الإمامة .