۱۱
الأصْلُ :
۰.ومن كلام له عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية لما أعطاه الراية يوم الجملتَزُولُ الْجِبَالُ وَلاَ تَزُلْ ! عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ . أَعِرِ اللّهَ جُمْجُمَتَكَ تِدْ في الْأَرْضِ قَدَمَكَ . ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصى الْقَوْمِ ، وَغُضَّ بَصَركَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ سُبْحَانَهُ .
الشّرْحُ :
قوله : « تَزولُ الجِبالُ ولاَ تَزُل » ، خبر فيه معنى الشرط ، تقديره : إن زالتِ الجِبالُ فلا تَزُل أنتَ ، والمراد المبالغة . والناجِذُ : أقصى الأضراس . وتِدْ ، أمر من وتَد قَدَمه في الأرض ، أي أثبِتْها فيها كالوتِد . ولا تَنَاقُضَ بين قوله : « ارم ببصرك » وقوله : « غُضَّ بَصَرَك » ، وذلك لأنّه في الأُولى أمرَه أن يفتح عينَه ويرفع طَرْفَه ، ويحدّق إلى أقاصى القوم ببَصره ، فِعْلَ الشجاع المِقدَام غير المكترث ولا المبالي ؛ لأنّ الجبانَ تضعُف نفسه ويخفُق قلبُه فيقصر بصره ، ولا يرتفِع طَرْفه ، ولا يمتدّ عنقه ، ويكونُ ناكسَ الرأس ، غضيضَ الطرف . وفي الثانية أمرَه أن يَغُضَّ بصرَه عن بَريق سيوفهم ولمعانِ دروعهم ، لئلاّ يبرُق بصرُه ، ويدهش ويستشعر خوفاً . وتقدير الكلام : « واحمل » وحذف ذلك للعلم به ، فكأنه قال : إذا عزمت على الحملة وصمّمت ، فغُضّ حينئذٍ بصرَك واحمل ، وكن كالعَشْوَاء التي تخبِط ما أمامها ولا تبالي .
وقوله : « عضّ على ناجِذك » قالوا : إنّ العاضّ على نواجِذه ينبو السيف عن دِماغه ؛ لأنّ عظام الرأس تشتدّ وتصلب ، وقد جاء في كلامه عليه السلام هذا مشروحا في موضع آخر، وهو قوله : « وعَضّوا على النواجذ ، فإنه أنْبَى للصوارم عن الهام» . ويحتمل أن يريد به شِدّة الحَنق .
وقوله : « أعِرِ اللّهَ جُمجمتك » ، معناه ابْذُلها في طاعة اللّه ، ويمكن أن يقال : إن ذلك إشعارٌ له أنّه لا يُقتل في تلك الحرب ؛ لأنّ العارية مردودة ، ولو قال له : بعِ اللّه جُمجمتَك ، لكان ذلك إشعارا له بالشهادة فيها .