109
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

۱۱

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلام لابنه محمد بن الحنفية لما أعطاه الراية يوم الجملتَزُولُ الْجِبَالُ وَلاَ تَزُلْ ! عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ . أَعِرِ اللّهَ جُمْجُمَتَكَ تِدْ في الْأَرْضِ قَدَمَكَ . ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصى الْقَوْمِ ، وَغُضَّ بَصَركَ ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ سُبْحَانَهُ .

الشّرْحُ :

قوله : « تَزولُ الجِبالُ ولاَ تَزُل » ، خبر فيه معنى الشرط ، تقديره : إن زالتِ الجِبالُ فلا تَزُل أنتَ ، والمراد المبالغة . والناجِذُ : أقصى الأضراس . وتِدْ ، أمر من وتَد قَدَمه في الأرض ، أي أثبِتْها فيها كالوتِد . ولا تَنَاقُضَ بين قوله : « ارم ببصرك » وقوله : « غُضَّ بَصَرَك » ، وذلك لأنّه في الأُولى أمرَه أن يفتح عينَه ويرفع طَرْفَه ، ويحدّق إلى أقاصى القوم ببَصره ، فِعْلَ الشجاع المِقدَام غير المكترث ولا المبالي ؛ لأنّ الجبانَ تضعُف نفسه ويخفُق قلبُه فيقصر بصره ، ولا يرتفِع طَرْفه ، ولا يمتدّ عنقه ، ويكونُ ناكسَ الرأس ، غضيضَ الطرف . وفي الثانية أمرَه أن يَغُضَّ بصرَه عن بَريق سيوفهم ولمعانِ دروعهم ، لئلاّ يبرُق بصرُه ، ويدهش ويستشعر خوفاً . وتقدير الكلام : « واحمل » وحذف ذلك للعلم به ، فكأنه قال : إذا عزمت على الحملة وصمّمت ، فغُضّ حينئذٍ بصرَك واحمل ، وكن كالعَشْوَاء التي تخبِط ما أمامها ولا تبالي .
وقوله : « عضّ على ناجِذك » قالوا : إنّ العاضّ على نواجِذه ينبو السيف عن دِماغه ؛ لأنّ عظام الرأس تشتدّ وتصلب ، وقد جاء في كلامه عليه السلام هذا مشروحا في موضع آخر، وهو قوله : « وعَضّوا على النواجذ ، فإنه أنْبَى للصوارم عن الهام» . ويحتمل أن يريد به شِدّة الحَنق .
وقوله : « أعِرِ اللّهَ جُمجمتك » ، معناه ابْذُلها في طاعة اللّه ، ويمكن أن يقال : إن ذلك إشعارٌ له أنّه لا يُقتل في تلك الحرب ؛ لأنّ العارية مردودة ، ولو قال له : بعِ اللّه جُمجمتَك ، لكان ذلك إشعارا له بالشهادة فيها .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
108

مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي ، وَلاَ لُبِّسَ عَلَيَّ . وَايْمُ اللّهِ لَأُفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضا أَنَا مَاتِحُهُ ! لاَ يَصْدِرُونَ عَنْهُ ، وَلاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ ۱ .

الشّرْحُ :

يمكن أن يَعْني بالشيطان الشيطانَ الحقيقيَّ ، ويمكن أن يَعْنِيَ به معاوية ، فإن عَنَى معاوية ، فقوله : « قد جمع حزبه ، واستجلب خيله ورجْله » كلام جارٍ على حقائقه ، وإن عَنَى به الشيطان ، كان ذلك من باب الاستعارة ؛ ومأخوذا من قوله تعالى : « وَاستَفْزِزْ مَنِ استَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ » ۲ ، والرَّجْل ، جمع راجل ، كالشَّرْب ، جمع شارب ، والرّكْب ، جمع راكب .
قوله : « وإنَّ معي لَبَصيرتي » ، يريد أنَّ البصيرةَ التي كانت معي في زمن رسول اللّه صلى الله عليه و آله لم تتغيَّرْ .
وقوله : « ما لبّستُ » تقسيم جيّد ؛ لأنَّ كل ضالّ عن الهداية ، فإمَّا أن يضلَّ من تلقاء نفسه ، أو بإضلال غيره له .
وقوله : « لأفْرِطَنّ » من رواها بفتح الهمزة ، فأصله « فرط » ثلاثي ، يقال : فَرطَ زيد القوم أي سبقهم ، ورجل فَرَطٌ : يسبق القوم إلى البئر ، فيهيّئ لهم الأرْشية والدِّلاء ، ومنه قوله عليه السلام : « أنا فَرَطُكم على الحوض » ، ويكون تقدير الكلام : وايمُ اللّه لأفرِطَنّ لهم إلى حوض .
ومن رواها « لأُفرِطَنّ » بضم الهمزة ، فهو من أفرط المزادة ، أي ملأها . والماتح : المستقِي ، متَح يمتَح ، بالفتح ، والمايح ، بالياء : الذي ينزل إلى البئر فيملأ الدلو . « أنا ماتحه » أنا خبير به ، كما يقول مَنْ يدّعي معرفة الدار : أنا باني هذه الدار ، والكلام استعارة ؛ يقول : لأملأنّ لهم حِياض الحرب التي هي دُرْبَتي وعادتي ، أو لأسْبِقنّهم إلى حياض حرب أنا متدرِّب بها ، مجرِّب لها ، إذا وردوها لا يصدُرون عنها ، يعني قتلَهم وإزهاق أنفسهم ، وَمَنْ فَرَّ منهم لا يعود إليها .

1.لافرطنّ : لأملأنّ ، والفَرَط : المتقدّم . الصدور : ضد الورود ، وصدر عنه رجع عنه .

2.سورة الإسراء ۶۴ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8638
صفحه از 712
پرینت  ارسال به