أبدع أبناء الزمان ، وأنجب سادة العراق ، يتحلّى ـ مع محتده الشريف ، ومفخره المنيف ـ بأدب ظاهر ، وفضل باهر ، وحظ من جميع المحاسن وافر » ۱ .
والسيد الرضي كان محدّثاً وأديباً ، وشاعراً ، وهو صاحب المؤلفات التي بلغت ثمانية عشر ، وقد بلغ بعضها العشرة أجزاء ، ومن أهمّها : (المجازات القرآنية) و (مجازات الآثار النبوية) و (نهج البلاغة) ، هذا الثلاثي الرائع الذي ألّفه من كلام اللّه تعالى ، وكلام النبي صلى الله عليه و آله وسلم ، وكلام الوصي عليه السلام ، كان مثار إعجاب العلماء والأُدباء ، ولكن نهج البلاغة كان الأشهر والأفضل والأكثر تداولاً ، ولذلك نال من الشروح والتعليق قديماً وحديثاً ما لم ينل غيره من بقية الكتب البشرية ، حتى قاربت المئتي شرحاً إلى يوم الناس هذا ، ولعل شهرة الرضي جاءت بسبب جمعه لهذا الكتاب ، الذي كان موضع اهتمام المسلمين وغيرهم من العلماء والأُدباء والمحدثين .
وقد صرّح السيد الرضي بسبب تسمية ما جمعه بـ (نهج البلاغة) فقال : « ورأيت من بعدُ تسمية هذا الكتاب بـ (نهج البلاغة) ، إذ كان يفتح للناظر فيه أبواباً ، ويقرّب عليه طلابها . فيه حاجة العالم والمتعلّم ، وبغية البليغ والزاهد ، ويمضي في أثنائه من عجيب الكلام في التوحيد والعدل ، وتنزيه اللّه سبحانه وتعالى عن شَبَه الخلْق ، ما هو بِلال كلّ غُلّة ، وشفاء كلّ عِلّة ، وجِلاء كلّ شبهة ... » ۲ .
طريقته في الجمع :
كان للسيد الرضي رحمه الله أُسلوبه الخاص في جمع (نهج البلاغة) وتدوينه ، تحدّث عنها في مقدمة الكتاب ، نعرض لها باختصار ضمن نقاط :
۱ ـ قام رحمه الله بجمع ما تفرّق من كلام الإمام عليه السلام من مصادره الموثوقة ، ودوّنه في أوراق متفرّقة ليستدرك ما يشذّ عنه مستقبلاً ، ثم عمد إلى اختيار محاسن كلامه ، فحذف ما شاء مما اجتمع عنده ، وانتقى ما شاء وفق ذوقه وسليقته ، ومبناه البلاغي ، ومنهجه في النظم .