97
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

يريد أنه إذا شدد عليها في جذب الزمام وهي تنازعه رأسها خرم أنفها ، وإن أرخى لها شيئا مع صعوبتها تقحمت به فلم يملكها ؛ يقال : أشنق الناقة ، إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه ، وشنقها أيضا . ذكر ذلك ابن السِّكِّيتِ في «إصلاح المنطق» . وإنما قال : «أشنق لها» ولم يقل «أشنقها» ؛ لأنّه جعله في مقابلة قوله «أسلس لها» ، فكأنه عليه السلام قال : إن رفع لها رأسها بمعنى أمسكه عليها بالزمام .
وَفِي الحَدِيثِ : إنَّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم خَطَبَ عَلَى نَاقَتِهِ وَقَدْ شَنَقَ لَهَا فَهِيَ تَقْصَعُ بِجِرَّتِهَا ۱ .

الشّرْحُ :

سمّى السواد سوادا لخضرته بالزروع والأشجار والنخل ، والعرب تسمى الأخضر أسود ، قال سبحانه : « مُدْهَامَّتَانِ » يريد الخضرة . وقوله : « لو اطّردت مقالتك » ، أي أتبعتَ الأوّل قولاً ثانيا ! من قولهم : اطّرد النهر ، إذا تتابع جريُه . وقوله : « من حيث أفضيت » أصل أفضى خرجَ إلى الفضاء ، فكأنه شبّهه عليه السلام حيث سكت عما كان يقوله ، بمن خرج من خبَاء أو جدار إلى فضاء من الأرض ، وذلك لأنّ النفس والقُوى والهمة عند ارتجال الخطب والأشعار تجتمع إلى القلب ، فإذا قُطع الإنسان وفرغ ، تفرقت وخرجت عن حجر الاجتماع واستراحت . والشّقشقة ، بالكسر فيهما : شيء يُخرجه البعير من فيه إذا هاج ، وإذا قالوا للخطيب : ذو شقشقة فإنما شبَّهوه بالفحل . والهدير : صوتها .
وأمّا قول ابن عباس : « ما أسِفْت على كلام ... » إلى آخره ، فحدثني شيخي أبو الخير مصدِّق بن شبيب الواسطي ۲ في سنة ثلاث وستمئة ، قال : قرأتُ على الشيخ أبي محمد عبد اللّه ابن أحمد المعروف بابن الخشاب هذه الخطبة ، فلما انتهيتُ إلى هذا الموضع ، قال لي : لو سمعتُ ابن عباس يقول هذا لقلت له : وهل بَقِيَ في نفس ابن عمك أمرٌ لم يبلغه في هذه الخطبة لتتأسف ألاّ يكون بلغ من كلامه ما أراد ! واللّه ما رجع عن الأولين ولا عن الآخرين ، ولا بَقي في نفسه أحد لم يذكره إلاّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله .

1.القصع : البلع ، وشدة المضغ ، الجِرّة : اللقمة يتعلل بها البعير إلى وقت علفه ، أو ما يفيض به البعير فيأكله ثانية ، المعنى واضح .

2.مصدق بن شبيب بن الحسين الصلحي الواسطي ؛ ذكره القفطي في إنباه الرواة ۳:۲۷۴ ، وقال : إنه قدم بغداد ، وقرأ بها على ابن الخشاب وحبشي بن محمد الضرير ، وعبد الرحمن بن الأنباري وغيرهم ؛ وتوفي ببغداد سنة ۶۰۵ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
96

لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا ، وَلَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِها ، وَلَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هـذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ!

الشّرْحُ :

فَلَق الحبة ، من قوله تعالى : « فَالِقُ الحبِّ والنَّوَى » ۱ ، والنَّسَمة : كلّ ذي رُوح من البشر خاصة . قوله : « لولا حضور الحاضر » ، يمكن أن يريدَ به لولا حضور البيعة ـ فإنها بعد عقدها تتعين المحاماة عنها ـ ويمكن أن يريد بالحاضر مَنْ حَضَره من الجيش الذين يستعين بهم على الحرب . والكِظّة بكسر الكاف : ما يعترى الإنسان مِن الثِّقل والكَرْب عند الامتلاء من الطعام . والسّغَب : الجوع . وقولهم : قد ألقى فلان حبل فلان على غَارِبه ، أي تركه هَمَلاً يسرح حيث يشاء من غير وازع ولا مانع ؛ والفقهاء يذكرون هذه اللفظة في كنايات الطلاق . وعَفْطَة عنز : ما تنثره من أنفها ، عفطت تعفِط بالكسر ؛ وأكثر ما يستعمل ذلك في النعجة ، واستعمله في العنز مجازاً .
يقول عليه السلام : لولا وجود مَنْ ينصرني ـ لا كما كانت الحال عليها أوّلاً بعد وفاة رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، فإني لم أكن حينئذٍ واجداً للناصر مع كوني مكلّفاً ألاّ أمكِّن الظالم من ظلمه ـ لتركت الخلافة ، ولرفضتها الآن كما رفضتها قبل ، ولوجدتم هذه الدنيا عندي أهون من عَطْسة عنز .

الأصْلُ :

۰.قالوا : وقام إليه رجل من أَهل السواد عند بلوغه إلى هذا الموضع من خطبته ، فناوله كتابا ، فأَقبل ينظر فيه ؛ قال له ابن عباس : يا أمير المؤمنين ، لو اطَّرَدَتْ خُطْبَتُكَ من حيث أَفضيتَ !
فَقَالَ : هَيْهَاتَ يابْنَ عَبَّاسٍ ! تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ!
قال ابن عباس : فواللّه ما أَسفت على كلام قط كأسفي على هذا الكلام أَلاَّ يكون أَمير المؤمنين عليه السلام بلغ منه حيث أَراد .
قال الرضي : قوله عليه السلام في هذِهِ الخُطْبَةِ «كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم ، وإن أسلس لها تقحم»

1.سورة الأنعام ۹۵ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8753
صفحه از 712
پرینت  ارسال به