واعلم أنّ عليا عليه السلام كان يدّعي التقدّمَ على الكلّ ، والشرف على الكلّ ، والنعمةَ على الكلّ ، بابن عمه صلى الله عليه و آله ، وبنفسه وبأبيه أبي طالب ، فإنّ من قرأ علوم السّير عرف ، أنّ الإسلام لو لا أبو طالب لم يكن شيئا مذكورا .
واعلم أنّ هذه الكلمات ؛ وهي قوله عليه السلام : « الآن إذ رجع الحق إلى أهله ... » إلى آخرها يبعدُ عندي أن تكون مقولة عقِيب انصرافه عليه السلام من صفِّين ؛ لأنّه انصرف عنها وقتئذٍ مضطربَ الأمر ، منتشرَ الحبل ؛ بواقعة التحكيم ، ومكيدة ابن العاص ، وما تمَّ لمعاويةَ عليه من الاستظهار ، وما شاهد في عسكره من الخذلان . وهذه الكلمات لا تقال في مثل هذه الحال ، وأخْلق بها أن تكونَ قيلت في ابتداء بَيْعته ، قبل أن يخرج من المدينة إلى البصرة ، وأنّ الرضي رحمه الله نقل ما وجد ، وحكى ما سمع ، والغلط من غيره ، والوهم سابق له . وما ذكرناه واضح .
۳
الأصْلُ :
۰.ومن خطبة له وهي المعروفة بالشقشقيةأَمَا وَاللّه لَقَدْ تَقَمَّصَها ابن أبي قحافة ، وَإنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنَّ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى . يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ ، وَلا يَرْقَى إلَيَّ الطَّيْرُ ؛ فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثُوْبا ، وَطَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحا ، وَطَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ ، أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ ، يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَيَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ ، وَيَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهْ ؛ فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى ، فَصَبَرْتُ وَفي الْعَيْنِ قَذَىً ، وَفي الْحَلْقِ شَجا ، أَرَى تُرَاثي نَهْبا ۱ .