689
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

دخلت فيها وغابت ، مثل ثاخت ، وأسختها أنا مثل أثختها . والأنصاب : الأجسام المنصوبة ، الواحد نُصُب بضم النون والصاد ، ومنه سميت الأصنام نُصُباً في قوله تعالى : « وَمَا ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ » ۱ ؛ لأنها نصبت فعبِدت من دون اللّه . أي وأساخ قواعد الجبالِ في متون أقطار الأرض ؛ وفي المواضع الصالحة لأنّ تكون فيها الأنصاب المماثلة ، وهي الجبال أنفسها .
قوله : « فأشهقَ قِلاَلها » ، جمع قُلّةٍ وهي ما علا من رأسِ الجبل ، أشهقها : جعلها شاهقة ، أي عالية . وأرّزها : أثبتها فيها ، رزّت الجرادة تَرُزُّ رَزّا ، وهو أن تدخِل ذَنبها في الأرض فتلقِي بيضها ، وأرَّزَها اللّه : أثبت ذلك منها في الأرض ، ويجوز « أرّزت » ، لازماً غير متّعد ، مثلَ رزّت ، وارْتزَّ السهم في القرطاس : ثبت فيه . وروي « وآرزها » بالمد من قولهم : شجرة آرزة ، أي ثابتة في الأرض ، أرَزَت بالفتح ، تأرِز بالكسر ، أي ثبتت ، وآزرها ـ بالمد ـ غيرها ، أي أثبتها . وتميد : تتحرّك . وتَسِيخ : تنزل وتهوي .
فإن قلت : ما الفرق بين الثلاثة : تميد بأهلها ، أو تسيخ بحملها ، أو تزول عن مواضعها؟
قلت : لأنّها لو تحركت لكانت إمّا أن تتحرّك على مركزها أو لا على مركزها ، والأوّل هو المراد بقوله : « تميد بأهلها » ، والثاني تنقسم إلى أن تنزل إلى تحت أو لا تنزل إلى تحت ، فالنزول إلى تحت هو المراد بقوله : « أو تسيخُ بحمْلها » ، والقسم الثاني هو المراد بقوله : « أو تزول عن مواضعها » .
فإن قلت : ما المراد بـ « على » في قوله : « فسكنت على حركتها؟
قلت : هي لهيئة الحال ، كما تقول عفوت عنه على سوء أدبه ، ودخلت إليه على شربه ، أي سكنت على أن من شأنها الحركة ؛ لأنها محمولة على سائل متموّج .
قوله : « مَوَجان مياهها » ، بناء « فَعَلان » ، لما فيه اضطراب وحركة كالغليان والنّزَوان والخَفَقان ، ونحو ذلك . وأجمدها ، أي جعلها جامدة . وأكنافها : جوانبها . والمهاد : الفراش . فوق بحر لجيّ : كثير الماء ، منسوب إلى اللّجّة ، وهي معظم البحر . قوله : « يكركره الرياح » ، الكركرة : تصريف الريح السّحاب إذا جمعته بعد تفريق ، وأصله « يكرّر » من التكرير ، فأعادوا الكاف ، كركرت الفارس عنّي أي دفعته ورددته . والرياح العواصف : الشديدة الهبوب . وتمخَضه ، يجوز فتح الخاء وضمّها وكسرها ، والفتح أفصح لمكان حرف الحلق من

1.سورة المائدة ۳ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
688

تعالى : « وَجَعَلْنَا فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ » ۱ .
وأمّا قوله : « ووقف الجاري منه لخشيته » ، فلا يدلّ دلالة قاطعة على أ نّه كان جاريا ووقف ، ولكن ذلك كلامٌ خرج مخرج التعظيم والتبجيل ، ومعناه أنّ الماء طبعه الجريان والسَّيَلان ، فهو جارٍ بالقوّة ، وإن لم يكن جارياً بالفعل ، وإنما وقف ولم يجرِ بالفعل بقدرة اللّه تعالى ، المانعة له من السيلان .
ثم نعود إلى شرح الألفاظ :
قوله عليه السلام : « فاستمسكت » ، أي وقفت وثبتت . والهاء في « حدّه » تعود إلى أمره ، أي قامت على حدّ ما أمرت به ، أي لم تتجاوزه ولا تعدّتْه . والأخضر : البحر ، ويسمّى أيضا « خضارة » معرفة غير مصروف ، والعرب تسميه بذلك ؛ إمّا لأ نّه يصف لون السماء فيُرى أخضر ، أو لأ نّه يُرى أسود لصفائه فيطلقون عليه لفظ الأخضر ؛ كمّا سمّوا الأخضر أسود ، نحو قوله : « مُدْهَامَّتَانَ » ۲ ، ونحو تسميتهم قرى العراق سواداً لخضرتها وكثرة شجرها . المثعنجر : السائل ، ثعجرت الدّم وغيره فاثعنجر ، أي صببتُه فانصبّ ، وتصغير المثعنجر مُثَيْعِج ومُثَيْعِيج . والقمقام ، بالفتح : من أسماء البحر ، ويقال لمن وقع في أمر عظيم : وقع في قمقام من الأمر ، تشبيهاً بالبحر . قوله عليه السلام : « وَجَبَل جلاميدَها » ، أي وخلق صخورها ، جمع جُلمود . والنُّشُوز : جمع نَشْز ، وهو المرتفع من الأرض . ويجوز فتح الشين . ومتونها : جوانبها . وأطوادَها : جبالها ، ويروى : « وأطوادِها » بالجر عطفاً على متونها . فأرساها في مراسيها ، أثبتها في مواضعها ، رسَا الشيء يرسُو ثبت . ورست أقدامُهم في الحرب : ثبتت ، ورستِ السفينةُ ترسُو رسواً ورسواً ، أي وقفت في البحر . وقوله تعالى : « بِاسْمِ اللّهِ مَجْرَاهَا وَمُرْسَاهَا» ۳ ؛ بالضم من أجريت وأرسيت ، ومن قرأ بالفتح فهو من « رست » هي ، « وجرت » هي . وألزمها قراراتها : أمسكها حيث استقرّت .
قوله : « فأنهد جبالَها » ، أي أعلاها . نهد ثديُ الجارية ينهُد بالضمّ ، إذا أشرف وكَعَب ، فهي ناهد وناهدة . وسهولها : ما تطامن منها عن الجبال . وأساخ قواعدها ، أي غيَّبَ قواعد الجبال في جوانب أقطار الأرض ، ساخت قوائم الفرس في الأرض تَسُوخ وتَسِيخ ، أي

1.سورة الأنبياء ۳۱ .

2.سورة الرحمن ۶۴ .

3.سورة هود ۴۱ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8755
صفحه از 712
پرینت  ارسال به