653
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

الناس ، وثبت تحت رايته يوم خَيْبر حتى فتحها وفرّ من كان بعث بها من قبله . قوله عليه السلام : « نجدةً أكرمني اللّه سبحانه بها » ، النّجْدة : الشجاعة ، وانتصابها هاهنا على أنّها مصدر ، والعامل فيه محذوف .
ثم ذكر عليه السلام وفاةَ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، فقال : « لقد قُبِض وإنّ رأسَه لعَلَى صدري ، ولقد سالتْ نفسه في كفّي ، فأمررتُها على وجهي » ، يقال : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم قاء دما يسيرا وقت موته ، وإنّ عليّا عليه السلام مَسَحَ بذلك الدّم وجهه ۱ .
وقد رُوِيَ أنّ أبا طيبة الحجّام شرب دمَه عليه السلام وهو حيّ ، فقال له : إذن لا يجعْ بطنك .
قوله عليه السلام : « فضجّت الدار والأفنيَة » ، أي النازلون في الدار من الملائكة ، أي ارتفع ضَجيجُهم ولجبُهم ، يعني أني سمعت ذلك ولم يسمعه غيري من أهل الدار . والملأ : الجماعة ، يهبط قومٌ من الملائكة ويصعد قوم . والعروج : الصعود . والهينمة الصوْت الخفيّ . والضريح : الشقّ في القبر .
فأمّا الغسل فإنّ علياً عليه السلام تولاّه بيده ، وكان الفضل بن العباس يصبّ عليه الماء . وروى المحدّثون عن عليّ عليه السلام ، أنه قال : ما قَلَبْتُ منه عِضْواً إلاّ وانقلب ، لا أجدُ ثِقلاً ، كأنّ معي مَنْ يساعدني عليه ، وما ذلك إلاّ الملائكة .
وأما حديث الهيمنة وسماع الصّوت ، فقد رواه خَلْق كثير من المحدّثين ، عن عليّ عليه السلام ، وتروي الشيعة أنّ علياً عليه السلام عَصَب عَيْنَي الفضل بن العباس ، حين صبّ عليه الماء ، وأنّ

1.ذهب الشيخ المفيد أنّ المراد من ( سالت نفسه في كفّي ) خروج روحه ، قال : قبض النبي صلى الله عليه و آله ويد أمير المؤمنين عليه السلام اليمنى تحت حنكه ، ففاضت نفسه فيها فرفعها إلى وجهه فمسحه بها ، فعبّر بفيضان نفسه . الإرشاد: ص ۱۰۰ ، وفي الصحاح للجوهري ۳ : ۹۹ ، قال : فاضت نفسه ، أي خرجت روحه . كانت السيدة عائشة تنسب هذه المكرمة ـ أي وفاة النبي صلى الله عليه و آله في حجر عليّ عليه السلام ـ إلى نفسها فكانت تحدِّث أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله مات بين سحرها ونحرها ، فاضطر عبد اللّه بن عباس إلى ردّها وتكذيبها . فعن ابن غطفان ، قال : سألت ابن عباس : أرأيت رسول اللّه صلى الله عليه و آله توفي ورأسه في حجر أحد ؟ قال : توفي وهو لمستند إلى صدر عليّ . قلتُ : فإنّ عروة حدّثني عن عائشة أنها قالت : توفي رسول اللّه صلى الله عليه و آله بين سحري ونحري ، فقال ابن عباس : أتعقل ! واللّه لتوفي رسول اللّه صلى الله عليه و آله وإنّه لمستند إلى صدر عليّ ، وهو الذي غسّله ... . انظر : طبقات ابن سعد ۲ ، قسم ۲ : ۶۲۶ . وأما قول الشارح : إنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله ، قاء دماً يسيراً وقت موته ... الخ . أقول : هذا كلام يمجّه الطبع ويأباه الذوق ، وينفر منه العقل ، ولابد أن يحمل هذا الكلام على معنىً يليق بمقام النبوة .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
652

وَلَقَدْ قُبِضَ رَسُولُ اللّهِ ـ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وسَلّم ـ وَإِنَّ رَأسَهُ لَعَلَى صَدْرِي . وَلَقَدْ سَالَتْ نَفْسُهُ فِي كَفِّي ، فَأَمْرَرْتُهَا عَلَى وَجْهِي . وَلَقَدْ وُلِّيتُ غُسْلَهُ ـ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وسلَّم ـ وَالْمَلاَئِكُةُ أَعْوَانِي ، فَضَجَّتِ الدَّارُ وَالْأَفْنِيَةُ ؛ مَلَأٌ يَهْبِطُ ، وَمَلَأٌ يَعْرُجُ ، وَمَا فَارَقَتْ سَمْعِي هَيْنَمَةٌ مِنْهُمْ ، يُصَلُّونَ عَلَيْهِ حَتَّى وَارَيْنَاهُ فِي ضَرِيحِهِ . فَمَنْ ذَا أَحَقُّ بِهِ مِنِّي حَيّاً وَمَيِّتاً؟
فَانْفُذُوا عَلَى بَصَائِرِكُمْ ، وَلْتَصْدُقْ نِيَّاتُكُمْ فِي جِهَادِ عَدُوِّكُمْ . فَوَالَّذِي لاَ إِلهَ إِلاَّ هُوَ إِنِّي لَعَلَى جَادَّةِ الْحَقِّ ، وَإِنَّهُمْ لَعَلَى مَزَلَّةِ الْبَاطِلِ .
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ ، وَأَسْتَغْفِرُ اللّهَ لِي وَلَكُمْ .

الشّرْحُ :

يمكن أن يعني بالمستحفَظين الخلفاء الذين تقدّموا ؛ لأنّهم الّذين استحفِظوا الإسلام ؛ أي جُعِلوا حافظين له ، وحارسين لشريعته ولحوزته ، ويجوز أن يعني به العلماء والفُضَلاء من الصّحابة ؛ لأنهم استحفِظوا الكتاب ، أي كُلِّفوا حفظَه وحراسته .
والظاهر أنه يرمز في قوله عليه السلام : « لم أردّ على اللّه ، ولا على رسوله ساعة قطّ » إلى أُمور وقعتْ من غيره ، كما جرى يوم الحديبيَة عند سَطْر كتاب الصلح ؛ فإنّ بعض الصحابة ۱ أنكر ذلك .
قوله عليه السلام : « ولقد واسيتُه بنفسي » ، يقال : واسيته وآسيته ، وبالهمزة أفصح ، وهذا مما اختصّ عليه السلام بفضيلته غير مدافَع ، ثبت معه يوم أُحُد وفرّ الناس ، وثبت معه يوم حُنين وفرّ

1.المنكر هو عمر بن الخطاب ، انظر سيرة ابن هشام ۳ : ۳۳۱ ط . الحلبي . وذكر الواقدي في (مغازيه) ۲ : ۶۰۶ جعل عمر بن الخطاب يردُّ على رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم الكلام ، يقول ـ أي عمر ـ : علامَ نعطي الدنيّة في ديننا ؟ فجعل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلميقول : أنا رسول اللّه ولن يضيِّعني ، فقال : أولست كنتَ تحدِّثُنا أنّا سنأتي البيت فنطوف به ؟ قال صلى الله عليه و آله وسلم : بلى ، فأخبرتك أنّا نأتيه هذا العام ؟ قال : لا ، قال صلى الله عليه و آله وسلم : فإنّك آتيه ومطوِّف به . انظر ، صحيح البخاري ۲ : ۹۷۸ / ح۲۵۸۱ كتاب الشروط . وشرح النهج ۱۲ : ۵۹ ثم ذكر الشارح أموراً ووقائع كثيرة من مخالفات عمر ومعارضاته لرسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، وحاول أن يجد لها مبررات تنسجم مع عقيدته ومذهب أصحابه .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8792
صفحه از 712
پرینت  ارسال به