وَلِكُلِّ حَيٍّ قَاتِلاً ، وَلِكُلِّ بَابٍ مِفْتَاحاً ، وَلِكُلِّ لَيْلٍ مِصْبَاحاً . يَتَوَصَّلُونَ إِلَى الطَّمَعِ بِالْيَأْس لِيُقِيمُوا بِهِ أَسْوَاقَهُمْ ، وْيُنْفِقُوا بِهِ أَعْـلاَقَهُمْ . يَقُولُونَ فَيُشَبِّهُونَ ، وَيَصِفُونَ فَيُمَوِّهُونَ . قَدْ هَوَّنُوا الطَّرِيقَ ، وَأَضْلَعُوا الْمَضِيقَ ، فَهُمْ لُمَّةُ الشَّيْطَانِ ، وَحُمَةُ النِّيرَانِ ؛ « أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ » ۱ .
الشّرْحُ :
الضمير في « له » وهو الهاء راجعٌ إلى « ما » التي بمعنى « الذي » ، وقيل : بل هو راجع إلى اللّه سبحانه ، كأنه قال : « نحمده على ما وفّق من طاعته » ، والصحيح هو الأول ؛ لأنّ « له » في الفقرة الأُولى بإزاء « عنه » في الفقرة الثانية ، والهاء في « عنه » ليست عائدة إلى « اللّه » . وذاد : طرد ، والمصدر الذِّياد . وخاض كلّ غَمْرة ، مثل قولك : ارتكب كلّ مهلكة ، وتقحّم كلّ هول . والغَمْرة : ما ازدحم وكثر من الماء ، وكذلك من النّاس ، والجمع غِمار . والغُصّة : الشّجا ، والجمع غُصَص . وتلوّن له الأدنَوْن : تغيّر عليه أقاربه ألوانا . وتألّب عليه الأقصوْن : تجمّع عليه الأبعدون عنه نسبا .
وخلعت إليه العرب أعنّتها ، مثلٌ ، معناه : أوْ جَفُوا إليه مسرعين لمحاربته ؛ لأنّ الخيل إذا خُلعتْ أعنّتها كان أسْرَع لجريها . وضربتْ إلى محاربته بطونَ رواحِلها ، كناية عن إسراع العرب نحوه للحرب ؛ لأنّ الرواحل إذا ضربت بطونها لتساق كانَ أوحى لها ؛ ومراده أنّهم كانوا فرساناً وركباناً . قوله : « حتى أنزلت بساحته عداوتها » ، أي حَرْبها ، فعبّر عنها بالعداوة ؛ لأنّ العداوة سببُ الحرب ، فعبّر بالسّبب عن المسبّب ؛ مازلنا نطأ السّماء حتى أتيناك ؛ يعنون الماء ، لمّا كان اعتقادُهم أنّ السماء سببُ الماء .
وأسحق المزار : أبعده ؛ مكان سَحِيق ، أي بعيد ، والسُّحْق بضم السّين : البعد ، يقال : « سُحْقاً له » ؛ ويجوز ضم الحاء ، كما قالوا : عُسْر وعسُر ، وأسحقه اللّه أبعده . والمزار : المكان الذي يُزار منه ، أو المكان الذي يزار فيه ، والمراد هاهنا هو الأوّل .
ومن قرأ كتبَ السِّيرة علم ما لاقى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم في ذاتِ اللّه سبحانه من المشقّة ، واستهزاء قريش به في أوّل الدعوة ، ورميهم إياه بالحجارة ، حتى أدْمَوا عَقِبَيْه ، وصياح