643
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

وَلِكُلِّ حَيٍّ قَاتِلاً ، وَلِكُلِّ بَابٍ مِفْتَاحاً ، وَلِكُلِّ لَيْلٍ مِصْبَاحاً . يَتَوَصَّلُونَ إِلَى الطَّمَعِ بِالْيَأْس لِيُقِيمُوا بِهِ أَسْوَاقَهُمْ ، وْيُنْفِقُوا بِهِ أَعْـلاَقَهُمْ . يَقُولُونَ فَيُشَبِّهُونَ ، وَيَصِفُونَ فَيُمَوِّهُونَ . قَدْ هَوَّنُوا الطَّرِيقَ ، وَأَضْلَعُوا الْمَضِيقَ ، فَهُمْ لُمَّةُ الشَّيْطَانِ ، وَحُمَةُ النِّيرَانِ ؛ « أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلاَ إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ » ۱ .

الشّرْحُ :

الضمير في « له » وهو الهاء راجعٌ إلى « ما » التي بمعنى « الذي » ، وقيل : بل هو راجع إلى اللّه سبحانه ، كأنه قال : « نحمده على ما وفّق من طاعته » ، والصحيح هو الأول ؛ لأنّ « له » في الفقرة الأُولى بإزاء « عنه » في الفقرة الثانية ، والهاء في « عنه » ليست عائدة إلى « اللّه » . وذاد : طرد ، والمصدر الذِّياد . وخاض كلّ غَمْرة ، مثل قولك : ارتكب كلّ مهلكة ، وتقحّم كلّ هول . والغَمْرة : ما ازدحم وكثر من الماء ، وكذلك من النّاس ، والجمع غِمار . والغُصّة : الشّجا ، والجمع غُصَص . وتلوّن له الأدنَوْن : تغيّر عليه أقاربه ألوانا . وتألّب عليه الأقصوْن : تجمّع عليه الأبعدون عنه نسبا .
وخلعت إليه العرب أعنّتها ، مثلٌ ، معناه : أوْ جَفُوا إليه مسرعين لمحاربته ؛ لأنّ الخيل إذا خُلعتْ أعنّتها كان أسْرَع لجريها . وضربتْ إلى محاربته بطونَ رواحِلها ، كناية عن إسراع العرب نحوه للحرب ؛ لأنّ الرواحل إذا ضربت بطونها لتساق كانَ أوحى لها ؛ ومراده أنّهم كانوا فرساناً وركباناً . قوله : « حتى أنزلت بساحته عداوتها » ، أي حَرْبها ، فعبّر عنها بالعداوة ؛ لأنّ العداوة سببُ الحرب ، فعبّر بالسّبب عن المسبّب ؛ مازلنا نطأ السّماء حتى أتيناك ؛ يعنون الماء ، لمّا كان اعتقادُهم أنّ السماء سببُ الماء .
وأسحق المزار : أبعده ؛ مكان سَحِيق ، أي بعيد ، والسُّحْق بضم السّين : البعد ، يقال : « سُحْقاً له » ؛ ويجوز ضم الحاء ، كما قالوا : عُسْر وعسُر ، وأسحقه اللّه أبعده . والمزار : المكان الذي يُزار منه ، أو المكان الذي يزار فيه ، والمراد هاهنا هو الأوّل .
ومن قرأ كتبَ السِّيرة علم ما لاقى رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم في ذاتِ اللّه سبحانه من المشقّة ، واستهزاء قريش به في أوّل الدعوة ، ورميهم إياه بالحجارة ، حتى أدْمَوا عَقِبَيْه ، وصياح

1.سورة المجادلة ۱۹ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
642

قلتُ : صدقت ، إنما أجابه من حيث يعلم هو والسامعون ، وتصِلُ أفهامهم إليه ، فخرج معه إلى حديث الآجال ، وأنّها أوقاتٌ مقدّرة لا تتعدّاها ، وما كان يمكنه عليه السلام أن يذكر الفرْق بين نفسه ونفوسهم ، ولا كانت الحال تقتضيه ، فأجابه بجواب مُسْكِتٍ ؛ وهو مع إسكاته الخصْم حقٌّ وعدل عن جواب يحصل منه اضطراب ، ويقع فيه تشويش ، وهذا نهاية السَّداد وصحة القول .

۱۸۷

الأصْلُ :

۰.ومن خطبة له عليه السلام يصف فيها المنافقيننَحْمَدُهُ عَلَى مَا وَفَّقَ لَهُ مِنَ الطَّاعَةِ ، وَذَادَ عَنْهُ مِنَ الْمَعْصِيَةِ ، وَنَسْأ لُهُ لِمِنَّتِهِ تَمَاماً ، وَبِحَبْلِهِ اعْتِصَاماً. وَنَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، خَاضَ إِلَى رِضْوَانِ اللّهِ كُلَّ غَمْرَةٍ، وَتَجَرَّعَ فِيهِ كُلَّ غُصَّةٍ . وَقَدْ تَلَوَّنَ لَه الأدنَوْنَ ، وَتَأَلَّبَ عَلَيْهِ الْأَقْصَوْنَ ، وَخَلَعَتْ إِلَيْهِ الْعَرَبُ أَعِنَّـتَهَا، وَضَرَبَتْ إِلَى مُحَارَبَتِهِ بُطُونَ رَوَاحِلِهَا، حَتَّى أَنْزَلَتْ بِسَاحَتِهِ عَدَاوَتَهَا، مِنْ أَبْعَدِ الدَّارِ ، وَأَسْحَقِ الْمَزَارِ .
أُوصِيكُمْ ـ عِبَادَ اللّهِ ـ بِتَقْوَى اللّهِ ، وَأُحَذِّرُكُمْ أَهْلَ النِّفَاقِ ، فَإِنَّهُمُ الضَّالُّونَ الْمُضِلُّونَ ، وَالزَّالُّونَ الْمُزِلُّونَ ، يَتَلَوَّنُونَ أَلْوَاناً ، وَيَفْتَنُّونَ افْتِنَاناً وَيَعْمِدُونَكُمْ بِكُلِّ عِمَادٍ ، وَيَرْصُدُونَكُمْ بِكُلِّ مِرْصَادٍ . قُلُوبُهُمْ دَوِيَّةٌ ، وَصِفَاحُهُمْ نَقِيَّةٌ . يَمْشُونَ الْخَفَاءَ ، وَيَدِبُّونَ الضَّرَاءَ . وَصْفُهُمْ دَوَاءٌ ، وَقَوْلُهُمْ شِفَاءٌ ، وَفِعْلُهُمُ الدَّاءُ الْعَيَاءُ . حَسَدَةُ الرَّخَاءِ ، وَمُؤكِّدُو الْبَلاَءِ ، وَمُقْنِطُو الرَّجَاءِ . لَهُمْ بِكُلِّ طَرِيقٍ صَرِيعٌ ، وَإِلَى كُلِّ قَلْبٍ شَفِيعٌ ، وَلِكُلِّ شَجْوٍ دُمُوعٌ . يَتَقَارَضُونَ الثَّنَاءَ ، وَيَتَرَاقَبُونَ الْجَزَاءَ ؛ إِنْ سَأَلُوا أَلْحَفَوا ، وَإِنْ عَذَلُوا كَشَفُوا ، وَإِنْ حَكَمُوا أَسْرَفُوا . قَدْ أَعَدُّوا لِكُلِّ حَقٍّ بَاطِلاً ، وَلِكُلِّ قَائِمٍ مَائِلاً ،

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8585
صفحه از 712
پرینت  ارسال به