621
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

إِلَيْكُمْ مَا أَدَّتِ الْأَوصِيَاءُ إِلَى مَنْ بَعْدَهُمْ ، وَأَدَّبْتُكُمْ بِسَوْطِي فَلَمْ تَسْتَقِيمُوا ، وَحَدَوْتُكُمْ بِالزَّوَاجِرِ فَلَمْ تَسْتَوْسِقُوا . للّه أَنْتُمْ ! أَتَتَوَقَّعُونَ إِمَاماً غَيْرِي يَطَأُ بِكُمُ الطَّرِيقَ ، وَيُرْشِدُكُمُ السَّبِيلَ ؟ !
أَلاَ إِنَّهُ قَدْ أدبَرَ مِنَ الدُّنْيَا مَا كَانَ مُقْبِلاً ، وَأَقْبَلَ مِنْهَا مَا كَانَ مُدْبِراً ، وَأَزْمَعَ التَّرْحَالَ عِبَادُ اللّهِ الْأَخْيَارُ ، وَبَاعُوا قَلِيلاً مِنَ الدُّنْيَا لاَ يَبْقَى ، بِكَثِيرٍ مِنَ الاْخِرَةِ لاَ يَفْنَى . مَا ضَرَّ إِخْوَانَنَا الَّذِينَ سُفِكَتْ دِمَاؤهُمْ بِصِفِّينَ أَلاَّ يَكُونُوا الْيَوْمَ أَحْيَاءً ؟ يُسِيغُونَ الْغُصَصَ وَيَشْرَبُونَ الرَّنِقَ ! قَدْ ـ وَاللّهِ ـ لَقُوا اللّهَ فَوَفَّاهُمْ أُجُورَهُمْ ، وَأَحَلَّهُمْ دَارَ الْأَمْنِ بَعْدَ خَوْفِهمْ .
أَيْنَ إِخْوَانِي الَّذِينَ رَكِبُوا الطَّريقَ ، وَمَضَوْا عَلَى الْحَقِّ ؟ أَيْنَ عَمَّارُ ؟ وَأَيْنَ ابْنُ التَّيِّهَانِ ؟ وَأَيْنَ ذُو الشَّهَادَتَيْنِ ؟ وَأَيْنَ نُظَرَاؤُهُمْ مِنْ إِخْوَانِهِمُ الَّذِينَ تَعَاقَدُوا عَلَى الْمَنِيَّةِ ، وَأُبْرِدَ بِرُؤُوسِهِمْ إِلَى الْفَجَرَةِ!
قال : ثُمّ ضرب عليه السلام بيده على لحيته الشريفة الكريمة ، فأطال البكاء ، ثمّ قال عليه السلام :
أَوْهِ عَلَى إِخْوَانِي الَّذِينَ قَرَؤوا الْقُرْآنَ فَأَحْكَمُوهُ ، وَتَدَبَّرُوا الْفَرْضَ فَأَقَامُوهُ ! أَحْيَوُا السُّنَّةَ وَأَمَاتُوا الْبِدْعَةَ ؛ دُعُوا لِلْجِهَادِ فَأَجَابُوا ، وَوَثِقُوا بِالْقَائِدِ فَاتَّبَعُوهُ .
ثمّ نادى بأعلى صوته :
الْجِهَادَ الْجِهَادَ عِبَادَ اللّهِ ! أَلاَ وَإِنِّي مُعَسْكِرٌ فِي يَوْمي هذَا ؛ فَمَنْ أَرَادَ الرَّوَاحَ إِلَى اللّهِ فَلْيَخْرُجْ .
قال نوْفٌ : وعقد للحسين عليه السلام في عشرة آلاف ، ولقيس بن سعدٍ ؛ في عشرة آلافٍ ، ولأبي أَيُّوب الأنصاري في عشرة آلافٍ ، ولغيرهم على أعدادٍ أُخرَ ، وهو يريد الرَّجعةَ إلى صفين ، فما دارت الجمعةُ حتى ضربه الملعون ابن ملجم لعنه اللّه ، فتراجعت العساكر ، فكنّا كأغنام فقدت راعيها ، تختطفها الذئاب من كل مكان!


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
620

قوله عليه السلام : « قد لبس للحكمة جُنّتها » ، الجُنّة : ما يستتر به من السّلاح كالدِّرْع ونحوها ، ولبس جنّة الحِكْمة قمع النفس عن المشتهيات ، وقطع علائق النفس عن المحسوسات ؛ فإنّ ذلك مانع للنّفس عن أن يصيبها سهام الهوى ؛ كما تمنع الدّرع الدّارع عن أن يصيبه سهام الرِّماية . ثم عاد إلى صفة هذا الشخص ، فقال : « وأخذ بجميع أدبها من الإقبال عليها » ، أي شدّة الحرص والهمة . ثم قال : « والمعرفة بها » ، أي والمعرفة بشرَفِها ونفاستها . ثم قال : « والتفرّغ لها » ؛ لأنّ الذهن متى وجّهته نحو معلومين تخبّط وفسد ؛ وإنما يدرك الحكمة بتخلية السرّ من كلّ ما مرّ سواها . « فهيَ عند نفسه ضالّته التي يطلبها » ، هذا مثل قوله عليه السلام : « الحكْمة ضالّة المؤمن » . قوله عليه السلام : « وحاجته التي يسأل عنها » ، هو مثل قوله : « ضالّته التي يطلبها » .
ثم قال : « هو مغترب إذا اغترب الإسلام » ، يقول : هذا الشخص يُخْفِي نفسَه ويحملها إذا اغترب الإسلام ، واغتراب الإسلام أن يظهر الفسق والجوْر على الصَّلاَح والعدل ، قال عليه السلام : « بدأ الإسلامُ غريبا وسيعود كما بدأ » .
قال : « وضرب بعسيب ذَنبِه ، وألصق الأرض بجِرانه » ، هذا من تمام قوله : « إذا اغترب الإسلام » ، أي إذا صار الإسلام غريبا مقهورا ؛ وصار الإسلام كالبعير البارِكِ يضرب الأرض بعَسِيبه ؛ وهو أصلُ الذَّنَب ، ويلصق جِرانه ـ وهو صدره ـ في الأرض ؛ فلا يكون له تصرّف ولا نهوض .
ثم عاد إلى صفة الشّخص المذكور ، وقال : « بقيّة من بقايا حججه ، خَلِيفة من خلائف أنبيائه » ، الضمير هاهنا يرجع إلى اللّه سبحانه وإنْ لم يجرِ ذكره ؛ للعلم به ، كما قال : «حَتّى تَوَارَتْ بِالحِجَابِ » ۱ ، ويمكن أن يقال : إنّ الضمير راجع إلى مذكور وهو الإسلام ، أي من بقايا حجج الإسلام وخليفة من خلائف أنبياء الإسلام .

الأصْلُ :

۰.ثم قال عليه السلام :أَيُّهَا النَّاسُ ، إِنِّي قَدْ بَثَثْتُ لَكُمُ الْمَوَاعِظَ الَّتِي وَعَظَ الْأَنْبِيَاءُ بِهَا أُمَمَهُمْ ، وَأَدَّيْتُ

1.سورة ص ۳۲ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8757
صفحه از 712
پرینت  ارسال به