569
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

اللّهِ ، لَيَذُوبَنَّ مَا فِي أَيْدِيهمْ بَعْدَ الْعُلُوِّ وَالتَّـمْكِينِ ، كَمَا تَذُوبُ الأليَةُ عَلَى النَّارِ .
أيُّهَا النَّاسُ ، لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ ، وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ ، لَمْ يَطْمَعْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ ، وَلَمْ يَقْوَ مَنْ قَوِيَ عَلَيْكُمْ . لكِنَّكُمْ تِهْتُمْ مَتَاهَ بَنِي إِسْرَائِيلَ . وَلَعَمْرِي ، لَيُضَعَّفَنَّ لَكُمُ التَّيهُ مِنْ بَعْدِي أَضْعافاً بِمَا خَلَّفْتُمُ الْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ، وَقَطَعْتُمُ الْأَدْنى ، وَوَصَلْتُمُ الْأَبْعَدَ . وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمُ الدَّاعِيَ لَكُمْ ، سَلَكَ بِكُمْ مِنْهَاجَ الرَّسُولِ ، وَكُفِيتُمْ مَؤونَةَ الاِعْتِسَافِ ، وَنَبَذْتُمُ الثِّقْلَ الْفَادِحَ عَنِ الأعْنَاقِ .

الشّرْحُ :

هو عليه السلام يذكر حال أصحابه وشيعتَه بعده ، فيقول : افترقوا بعد أُلفتهم ، أي بعد اجتماعهم . وتشتّتوا عن أصلهم ، أي عنّي بعد مفارقتي ؛ فمنهم آخذ بغصن ؛ أي يكون منهم مَنْ يتمسَّك بمن أُخلّفه بعدي من ذريّة الرسول ، أينما سلكوا سلكوا معهم ؛ وتقدير الكلام : ومنهم مَنْ لا يكون هذه حاله لكنّه لم يذكره عليه السلام ، اكتفاءً بذكر القسم الأول ؛ لأ نّه دالٌّ على القسم الثاني .
ثم قال : على أنّ هؤلاء القوم : من ثبت منهم على عقيدته فينا ومن لم يثبت ؛ لابدّ أن يجمعهم اللّه تعالى لشرّ يوم لبني أميّة ، وكذا كان ، فإنّ الشّيعة الهاشمية اجتمعت على إزالة ملك بني مَرْوان : مَنْ كان منهم ثابتا على ولاء عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ومَنْ حاد منهم عن ذلك ؛ وذلك في أواخر أيّام مَرْوان الحمار ، عند ظهور الدّعوة الهاشميّة .
وقَزَع الخريف : جمع قَزَعة ، وهي سُحُب صغار تجتمع فتصيرُ ركاماً ، وهو ما كَثُف من السّحاب . وركمت الشيء أركُمه ، إذا جمعتَه وألقيتَ بعضه على بعض . ومستثارهم: موضع ثورتهم . والجنّتان : هما اللتان قال اللّه تعالى فيهما : « لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيةٌ جَنّتَانِ عَنْ يَمينٍ وشِمالٍ » ۱ . وسلّط اللّه عليهما السّيل ، قال اللّه تعالى : « فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ » ۲ . فشبّه عليه السلام سَيَلان الجيوش إلى بني أميّة بالسيل المسلّط على تَيْنِك الجنَّتين . فإنه

1.سورة سبأ ۱۵ .

2.سورة سبأ ۱۶ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
568

الشّرْحُ :

أمرهم عليه السلام أن يتأسّى الصغير منهم بالكبير في أخلاقه وآدابه ؛ فإنّ الكبير لكثرة التّجربة أحزم وأكيس ، وأن يرأف الكبير بالصغير . والرأفة : الرحمة ؛ لأنّ الصغير مظنّة الضعف والرقة . ثم نهاهم عن خُلُق الجاهليّة في الجفاء والقسوة ، وقال : إنهم لا يتفقَّهون في دين ولا يعقلون عن اللّه ما يأمرهم به ؛ وهذا من قوله اللّه سبحانه : « صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لاَ يَعْقِلُونَ » ۱ . وروي : « تتفقهون » بتاء الخطاب .
ثم شبّههم ببيضِ الأفاعي في الأعشاش ، يظنّ بيض القطا فلا يحلّ لمن رآه أن يكسِره ؛ لأ نّه يظنّه بيض القطا ، وحضانه يُخرج شرّا ؛ لأ نّه يفقصُ عن أفعى . واستعار لفظة « الأداحي » للأعشاش مجازاً ؛ لأنّ الأداحي لا تكون إلاّ للنعام تدحوها بأرجلها وتبيض فيها ، ودَحْوها : توسيعها ، من دَحَوْت الأرض . والقَيْض : الكسر والفلق ، قِضْتُ القارورة والبيضة ، وانقاضت هي ، وانقاض الجدار انقياضاً ، أي تصدّع من غير أن يسقط ؛ فإن سقط قيل : تقيّض تقيُّضاً ، وتقوّض تقوضاً وقَوّضته أنا . وتقول للبيضة إذا تكسّرت فِلَقاً : تقيّضت تقيّضا ، فإنْ تصدّعت ولم تنفلق ، قلت : انقاضت ، فهي منقاضة ، والقارورة مثله .

الأصْلُ :

۰.منها :افْتَرَقُوا بَعْدَ أُلْفَتِهِمْ ، وَتَشَتَّتُوا عَنْ أَصْلِهِمْ . فَمِنْهُمْ آخِذٌ بِغُصْنٍ أَيْنَما مالَ مالَ مَعَهُ . عَلَى أَنَّ اللّهَ تَعَالَى سَيَجْمَعُهُمْ لِشَرِّ يَوْمٍ لِبَنِي أُمَيَّةَ ، كَمَا تَجْتَمِعُ قَزَعُ الْخَرِيفِ يُؤلِّفُ اللّهُ بَيْنَهُمْ ، ثُمَّ يَجْعَلُهُمْ رُكَاماً كَرُكَامِ السَّحَابِ ؛ ثُمَّ يَفْتَحُ اللّهُ لَهُمْ أبْوَاباً يَسِيلُونَ مِنْ مُسْتَثَارِهِمْ كَسَيْلِ الْجَنَّتَيْنِ ، حَيْثُ لَمْ تَسْلَمْ عَلَيْهِ قَارَّةٌ ، وَلَمْ تَثْبُتْ عَلَيْهِ أَكَمَةٌ ، وَلَمْ يَرُدَّ سَنَنَهُ رَصُّ طَوْدٍ ، وَلاَ حِدَابُ أَرْض . يُذعْذِعُهُمُ اللّهُ فِي بُطُونِ أَوْدِيَتِهِ ، ثُمَّ يَسْلُكُهُمْ يَنَابِيعَ فِي الْأَرْضِ ، يَأَخُذُ بِهِمْ مِنْ قَوْمٍ حُقُوقَ قَوْمٍ ، وَيُمَكِّنُ لِقَوْمٍ فِي دِيَارِ قَوْمٍ . وَأيْمُ

1.سورة البقرة ۱۷۱ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8749
صفحه از 712
پرینت  ارسال به