اللّهِ ، لَيَذُوبَنَّ مَا فِي أَيْدِيهمْ بَعْدَ الْعُلُوِّ وَالتَّـمْكِينِ ، كَمَا تَذُوبُ الأليَةُ عَلَى النَّارِ .
أيُّهَا النَّاسُ ، لَوْ لَمْ تَتَخَاذَلُوا عَنْ نَصْرِ الْحَقِّ ، وَلَمْ تَهِنُوا عَنْ تَوْهِينِ الْبَاطِلِ ، لَمْ يَطْمَعْ فِيكُمْ مَنْ لَيْسَ مِثْلَكُمْ ، وَلَمْ يَقْوَ مَنْ قَوِيَ عَلَيْكُمْ . لكِنَّكُمْ تِهْتُمْ مَتَاهَ بَنِي إِسْرَائِيلَ . وَلَعَمْرِي ، لَيُضَعَّفَنَّ لَكُمُ التَّيهُ مِنْ بَعْدِي أَضْعافاً بِمَا خَلَّفْتُمُ الْحَقَّ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ ، وَقَطَعْتُمُ الْأَدْنى ، وَوَصَلْتُمُ الْأَبْعَدَ . وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِنِ اتَّبَعْتُمُ الدَّاعِيَ لَكُمْ ، سَلَكَ بِكُمْ مِنْهَاجَ الرَّسُولِ ، وَكُفِيتُمْ مَؤونَةَ الاِعْتِسَافِ ، وَنَبَذْتُمُ الثِّقْلَ الْفَادِحَ عَنِ الأعْنَاقِ .
الشّرْحُ :
هو عليه السلام يذكر حال أصحابه وشيعتَه بعده ، فيقول : افترقوا بعد أُلفتهم ، أي بعد اجتماعهم . وتشتّتوا عن أصلهم ، أي عنّي بعد مفارقتي ؛ فمنهم آخذ بغصن ؛ أي يكون منهم مَنْ يتمسَّك بمن أُخلّفه بعدي من ذريّة الرسول ، أينما سلكوا سلكوا معهم ؛ وتقدير الكلام : ومنهم مَنْ لا يكون هذه حاله لكنّه لم يذكره عليه السلام ، اكتفاءً بذكر القسم الأول ؛ لأ نّه دالٌّ على القسم الثاني .
ثم قال : على أنّ هؤلاء القوم : من ثبت منهم على عقيدته فينا ومن لم يثبت ؛ لابدّ أن يجمعهم اللّه تعالى لشرّ يوم لبني أميّة ، وكذا كان ، فإنّ الشّيعة الهاشمية اجتمعت على إزالة ملك بني مَرْوان : مَنْ كان منهم ثابتا على ولاء عليّ بن أبي طالب عليه السلام ، ومَنْ حاد منهم عن ذلك ؛ وذلك في أواخر أيّام مَرْوان الحمار ، عند ظهور الدّعوة الهاشميّة .
وقَزَع الخريف : جمع قَزَعة ، وهي سُحُب صغار تجتمع فتصيرُ ركاماً ، وهو ما كَثُف من السّحاب . وركمت الشيء أركُمه ، إذا جمعتَه وألقيتَ بعضه على بعض . ومستثارهم: موضع ثورتهم . والجنّتان : هما اللتان قال اللّه تعالى فيهما : « لَقَدْ كَانَ لِسَبَأٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيةٌ جَنّتَانِ عَنْ يَمينٍ وشِمالٍ » ۱ . وسلّط اللّه عليهما السّيل ، قال اللّه تعالى : « فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ العَرِمِ » ۲ . فشبّه عليه السلام سَيَلان الجيوش إلى بني أميّة بالسيل المسلّط على تَيْنِك الجنَّتين . فإنه