473
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

النسب ليس بشرط فيها أصلاً ، وإنها تصلح في القرشيّ وغير القرشيّ .
وقال معظم الزّيدية : إنها من الفاطميّين خاصة من الطالبيّين ، لا تصلُح في غير البطنيْن . ولا تصحّ إلاّ بشرط أن يقوم بها ويدعو إليها فاضل زاهد عالم عادل شجاع سائس .
وأما الراونديّة : فإنّهم خَصَّصُوها بالعبّاس رحمه اللّه وولده من بين بطون قريش كلها ؛ وهذا القول هو الذِّي ظهر في أيام المنصور والمهديّ .
وأما الإمامية : فإنهم جعلوها ساريةً في ولد الحسين عليه السلام في أشخاص مخصوصين ، ولا تصلح عندهم لغيرهم ۱ .
وجعلها الكيْسانية في محمد بن الحنفيّة وولده ، ومنهم مَنْ نقلها منه إلى ولد غيره .
فإن قلت : إنك شرحت هذا الكتاب على قواعد المعتزلة وأُصولهم ، فما قولك في هذا الكلام وهو تصريح بأنّ الإمامة لا تصلح من قريش إلاّ في بني هاشم خاصّة ، وليس ذلك

1.أخبر النبي صلى الله عليه و آله وسلم أن عدد الأئمة الذين يلون من بعده اثنا عشر . روى ذلك كثير من أصحاب الصحاح والمسانيد : أ : روى مسلم ، عن جابر بن سَمَرة أ نّه سمع النبي صلى الله عليه و آله وسلم يقول : « لا يزال الدين قائماً حتى تقوم الساعة ، أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلّهم من قريش » . صحيح مسلم ۶ : ۳ ـ ۴ . باب الناس تبع لقريش من كتاب الإمارة . وفي صحيح البخاري ۴ : ۱۶۵ كتاب الأحكام . وفي سنن أبي داود : « حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة » ۴ : ۱۰۶ ح۴۲۷۹ و۴۲۸۰ كتاب المهدي . ب : وفي البخاري ، قال : سمعت النبي صلى الله عليه و آله وسلم يقول : « يكون اثنا عشر أميراً » ، فقال كلمة لم أسمعها ، فقال أبي : قال : « كلّهم من قريش » . ج : وفي رواية : « يكون لهذه الأُمّة اثنا عشر قيّماً ، لا يضرّهم من خذلهم ، كلّهم من قريش » . كنز العمال ۱۳ : ۱۷ . د : وعن أنس : « لا يزال هذا الدين قائماً إلى اثني عشر من قريش ، فإذا هلكوا ماجت الأرض بأهلها » . كنز العمال ۱۳ : ۲۷ . أقول : نصّت الروايات الآنفة أن عدد الأئمة اثنا عشر وأنّهم من قريش ، وأن الدين قائم بهم ، وقد بيّن الإمام عليه السلام في خطبته هذه المقصود من قريش ، فقال : « إن الأئمة من قريش غرسوا في هذا البطن من هاشم ، لا تصلح على سواهم ... » فبني هاشم صفوة قريش وهم أهل البيت عليهم السلام ولا تصلح على سواهم ؛ لأنّ اللّه طهّرهم ونزّههم وعصمهم « إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً» [الأحزاب : ۳۳] . فالمقصود بالاثني عشر هم أئمة أهل البيت عليهم السلام من علي عليه السلام إلى المهدي عليه السلام . وكل منصف يذهب إلى ما ذهبت إليه الشيعة .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
472

الْعَمَى . إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيش غُرِسُوا فِي هذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ ؛ لاَ تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ مِنْ غَيْرِهمْ .

الشّرْحُ :

أول الكلام مأخوذ من قوله سبحانه : « رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ » ۱ ، وقوله تعالى : « وَمَا كُنَّا مُعَذِّبينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً» ۲ .
الإعذار : تقديم العذر . ثم قال : إن اللّه تعالى كشف الخلق بما تعبّدهم به من الشرعيّات على ألسنة الأنبياء ، ولم يكن أمرُهم خافياً عنه ، فيحتاج إلى أن يكشفَهم بذلك ، ولكنّه أراد ابتلاءهم واختبارهم ، ليعلم أيُّهم أحسن عملاً ، فيعاقب المسيء ، ويثيب المحسن . قوله : « وللعقاب بَوَاء » أي مكافأة .
قوله عليه السلام : « أين الذين زعموا » ، هذا الكلام كناية وإشارة إلى قوم من الصحابة كانوا ينازعونه الفضل ؛ فمنهم مَنْ كان يدّعي له أنه أفرَض ، ومنهم من كان يدّعي له أنه أقرأ ، ومنهم كان يدّعي له أنه أعلم بالحلال والحرام . هذا مع تسليم هؤلاء له أنه عليه السلام أقضى الأُمّة ، وأنّ القضاء يحتاج إلى كلّ هذه الفضائل ، وكلّ واحدةٍ منها لا تحتاج إلى غيرها ، فهو إذنْ أجمع للفقه وأكثرهم احتواء عليه ، إلاّ أ نّه عليه السلام لم يرض بذلك ولم يصدق الخبر الذي قيل : « أفرَضكم فلان » إلى آخره فقال : إنّه كذب وافتراء حمل قوما على وضعه الحسدُ والبغي والمنافسة لهذا الحيّ من بني هاشم ؛ أن رفعهم اللّه على غيرهم ، واختصّهم دون مَنْ سواهم .
وأنْ هاهنا للتعليل ، أي « لأنْ » فحذف اللام التي هي أداة التعليل على الحقيقة ، قال سبحانه : « بِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنْفُسُهُمْ أَنْ سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ » ۳ . ثم قال : « بنا يُستعطى الهُدَى ، أي يطلب أن يعطَى ، وكذلك « يستجلى » أي يطلبُ جِلاؤه . ثم قال : إنّ الأئمة من قريش ... إلى آخر الفصل .
وقد اختلف الناس في اشتراط النسب في الإمامة ، فقال قوم من قدماء أصحابنا : إنّ

1.سورة النساء ۱۶۵ .

2.سورة الإسراء ۱۵ .

3.سورة المائدة ۸۰ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8766
صفحه از 712
پرینت  ارسال به