447
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

منصوب على أنه مفعول . وأعواد المنايا : النّعش . ويتعاطى به الرّجال الرّجال : يتداولونه ، تارةً على أكتاف هؤلاء ، وتارة على أكتاف هؤلاء ، وقد فسر ذلك بقوله : « حملاً على المناكب ، وإمساكاً بالأنامل » . والمشيد : المبنيّ بالشِّيد ، وهو الجصّ . والبُور : الفاسِد الهالك ، وقوم بور ، أي هَلْكى ، قال سبحانه : « وَكُنْتُمْ قَوْما بُورا » ۱ ، وهو جمع ، واحده بائر كحائل وحُول .
ويُستعتَبون هاهنا يفسّر بتفسيرين ، على اختلاف الروايتين : فمن رواه بالضم على فعل ما لم يسمَّ فاعله ، فمعناه لا يُعاتَبون على فعل سيّئة صدرتْ منهم أيّام حياتهم ، أي لا يعاتبهم النّاس أو لا يستطيعون وهم موتى أن يسيئوا إلى أحد إساءةً يعاتَبون عليها . ومن رواه « يَسْتعتِبون » بفتح حرف المضارعة ؛ فهو من استعتَب فلان ، أي طلب أنْ يُعتَب ، أي يرضَى تقول : استعتبته فأعتبنى ، أي استرضيته فأرضاني .
وأشعر فلانٌ التقوى قلبَه : جعله كالشّعار له ، أي يلازمه ملازمة شِعار الجسد . وبرزَ مهلُه ، ويروى بالرفع وبالنصب ، فمن رواه بالرفع جعله فاعل « برز » ، أي مَنْ فاق شَوْطَه ، برز الرجل على أقرانه أي فاقهم ، والمَهلُ شوط الفرس ، ومن رواه بالنصب جعل « برز » بمعنى أبرز ، أي أظهر وأبان ، فنصب حينئذٍ على المفعولية . واهتبلت غِرّة زيد ، أي اغتنمتها ، والهبّال : الصياد الذي يهتبل الصيد أي يغرّه ، وذئب هِبَلٌّ أي محتال ، و « هبلها » منصوب على المصدر كأنّه من هبل ، مثل غضب غضباً ، أي اغتنموا . وانتهزوا الفرصة ، الانتهاز الذي يصلح لهذه الحال ، أي ليكن هذا الاهتبال بجدّ وهمّة عظيمة ، فإنّ هذه الحال حال عظيمة لا يليق بها إلاّ الاجتهاد العظيم . وكذا قوله : « واعملوا للجنّة عملها » ، أي العمل الذي يصلح أن يكون ثمرته الجنّة . ودار مقام ، أي دار إقامة . والمجاز : الطريق يجاز عليه إلى المقصد . والأوفاز : جمع وفْز بسكون الفاء ، وهو العجلة . والظُّهور : الرّكاب ، جمع ظَهْر ، وبنو فلان مظهرون ، أي لهم ظهور ينقلون عليها الأثقال ، كما يقال : منجِبون ، إذا كانوا أصحاب نجائب . والزِّيال : المفارقة ، زايلَه مزايلةً وزِيالاً ، أي فارقه .

1.سورة الفتح ۱۱ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
446

بطنت الأمر ، أي خبرته . وتكِنّ الصدور : تستر ، وما تخون العيون : ما تسترِقُ من اللحظات والرمزات على غير الوجه الشرعيّ . والنَّجِيب : المنتجَب . والبعيث : المبعوث .

الأصْلُ :

۰.منها :فَإِنَّهُ وَاللّهِ الْجِدُّ لاَ اللَّعِبُ ، وَالْحَقُّ لاَ الْكَذِبُ . وَمَا هُوَ إِلاَّ الْمَوْتُ قَد أَسْمَعَ دَاعِيهِ ، وَأَعْجَلَ حَادِيهِ . فَـلاَ يَغُرَّنَّكَ سَوَادُ النَّاس مِنْ نَفْسِكَ ، وَقَدْ رَأَيْتَ مَنْ كَانَ قَبْلَكَ مِمَّنْ جَمَعَ الْمَالَ وَحَذِرَ الاْءِقْـلاَلَ ، وَأَمِنَ الْعَوَاقِبَ ـ طُولَ أَمَلٍ وَاسْتِبْعَادَ أَجَلٍ ـ كَيْفَ نَزَلَ بِهِ الْمَوْتُ فَأَزْعَجَهُ عَنْ وَطَنِهِ ، وَأَخَذَهُ مِنْ مَأْمَنِهِ ، مَحْمُولاً عَلَى أَعْوَادِ الْمَنَايَا ، يَتَعَاطَى بِهِ الرِّجَالُ الرِّجَالَ ، حَمْلاً عَلَى الْمَنَاكِبِ ، وَإِمْسَاكاً بِالأنَامِلِ .
أَمَا رَأَيْتُمُ الَّذِينَ يَأْمُلُونَ بَعِيداً ، وَيَبْنُونَ مَشِيداً ، وَيَجْمَعُونَ كَثِيراً ! كَيْفَ أَصْبَحَتْ بُيُوتُهُمْ قُبُوراً ، وَمَا جَمَعُوا بُوراً ، وَصَارَتْ أَمْوَالُهُمْ لِلْوَارِثِينَ ، وَأَزْوَاجُهُمْ لِقَوْمٍ آخَرِينَ ، لاَ فِي حَسَنَةٍ يَزِيْدُونَ ، وَلاَ مِنْ سَيّـئَةٍ يُسْتَعْتَبُونَ .
فَمَنْ أَشْعَرَ التَّقْوَى قَلْبَهُ بَرَّزَ مَهَلُهُ ، وَفَازَ عَمَلُهُ . فَاهْتَبِلُوا هَبَلَهَا ، وَاعْمَلُوا لِلْجَنَّةِ عَمَلَهَا ، فَإِنَّ الدُّنْيَا لَمْ تُخْلَقْ لَكُمْ دَارَ مُقَامٍ ، بَلْ خُلِقَتْ لَكُمْ مَجَازاً لِتَزَوَّدُوا مِنْهَا الأَعْمَالَ إِلَى دَارِ الْقَرَارِ . فَكُونُوا مِنْهَا عَلَى أَوْفَازٍ . وَقَرِّبُوا الظُّهُورَ لِلزِّيَالِ .

الشّرْحُ :

قوله عليه السلام : « فإنّه واللّه الجِدّ » ، الضمير للأمر والشأن الّذي خاض معهم في ذكره ووعظهم بنزوله . ثم أوضحه بعد إجماله ، فقال : إنّه الموتُ الّذِي دعا فأسْمع ، وحدا فأعجل . وسواد الناس : عامّتهم . و « من » هاهنا ، إمّا بمعنى الباء ، أي لا يغرّنك الناس بنفسك وصحتك وشبابك ، فتستبعد الموت اغترار بذلك ، فتكون متعلّقة بالظاهر ، وإمّا أن تكون متعلّقة بمحذوف ، تقديره : متمكناً من نفسك وراكناً إليها . والإقلال : الفقر . وطول أملٍ ،

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8763
صفحه از 712
پرینت  ارسال به