415
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

وإتمام العدات : إنجازها ، وفيه إشارة إلى قوله تعالى : « مِنَ الْمؤمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ » ۱ ، وإلى قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم في حقه عليه السلام : « قاضي ديني ومنجز موعدي » ۲ . وتمام الكلمات تأويل القرآن ، وفيه إشارة إلى قوله تعالى : «وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ صِدْقا وَعَدْلاً» ۳ ، وإلى قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم في حقه عليه السلام : اللهمّ اهد قلبَه ، وثبّت لسانه » ۴ .
وخلاصة هذا : أ نّه أقسم باللّه أنه قد عَلم ، أو عُلِّم ـ على اختلاف الروايتين ـ أداء الشرائع إلى المكلّفين ، والحكم بينهم بما أنزل اللّه ، وعلم مواعيد رسول اللّه التي وعد بها ، فمنها ماهو وعدٌ لواحدٍ من الناس بأمرٍ ، نحو أن يقول له : سأعطيك كذا ، ومنها ما هو وعدٌ بأمرٍ يحدُث ، كإخبار الملاحم والأُمور المتجدّدة . وعلم تمام كلمات اللّه تعالى ، أي تأويلها وبيانها الذي يتمّ به ؛ لأنّ في كلامه تعالى المجمَل الذي لا يستغني عن متمّم ومبيّن يوضحه .
ثم كشف الغطاء وأوضح المراد فقال : « وعندنا ـ أهلَ البيت ـ أبوابُ الحُكْم » ، يعني الشرعيات والفتاوى . وضياء الأمر يعني العقليات والعقائد ، وهذا مقام عظيم لا يجسُر أحدٌ من المخلوقين أن يدّعيه سواه عليه السلام ؛ ولو أقدم أحد على ادّعائه غيره لكذب وكذبه الناس . و « أهلَ البيت » منصوب على الاختصاص . وسبُله قاصدة ، أي قريبة سهلة ، ويقال : بيننا وبين الماء ليلة قاصدة ورافهة ، أي هيّنة المسير لا تَعَب فيها ولا بط ء . وتُبلَى فيه السرائر ، أي تختبر .
ثم قال : من لا ينفعه لبّه الحاضر وعقله الموجود فهو بعدم الانتفاع بما هو غير حاضر ولا موجود من العقل عنده أوْلَى وأحرى ، أي مَنْ لم يكن له من نفسه ومن ذاته وازع وزاجر عن القبيح ، فبعيد أن ينزَجر ، وأن يرتدع بعقل غيره وموعظة غيره له . ثم ذكر النار فحذّر منها . وقوله : « حليتها حديد » يعني القيود والأغلال .

1.سورة الأحزاب ۲۳ .

2.مجمع الزوائد للهيثمي ۹ : ۱۲۱ ، المعجم الكبير للطبراني ۱۲ : ۳۲۱ ح ۱۳۵۴۹ ، مسند أبي يعلى الموصلي ۱ : ۴۰۲ / ح ۵۲۸ ، مناقب علي بن أبي طالب لأبي بكر ابن مردويه : ص ۶۱ ح ۲۹ بلفظ : تقضي ديني و تنجز موعدي (وعدي) .

3.سورة الأنعام ۱۱۵ .

4.قاله صلى الله عليه و آله وسلم لعليّ عليه السلام حين أراد إرساله إلى اليمن ليقضي فيهم ويحكم بينهم . والرواية أخرجها : ابن ماجه في السنن ۲ : ۷۷۴ / ح۲۳۱۰ ، وابن أبي شيبة في المصنّف ۷ : ۱۳ / ح۵۷ ، والنسائي في السنن الكبرى ۵ : ۱۱۶ / ح۸۴۱۹ ، والصدوق في عيون أخبار الرضا عليه السلام ۱ : ۶۶ / ح۲۴۰ ، والشيخ المفيد في الإرشاد ۱ : ۱۹۴ ـ ۱۹۵ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
414

۱۱۹

الأصْلُ :

۰.ومن كلام له عليه السلامتَاللّه لَقَدْ عُلِّمْتُ تَبْلِيغَ الرِّسَالاَتِ ، وَإِتْمَامَ الْعِدَاتِ ، وَتَمَامَ الْكَلِمَاتِ . وَعِنْدَنَا ـ أَهْلَ الْبَيْتِ ـ أَبْوَابُ الْحُكْمِ وَضِيَاءُ الْأَمْرِ . أَلاَ وَإِنَّ شَرَائِعَ الدِّينِ وَاحِدَةٌ ، وَسُبُلَهُ قَاصِدَةٌ . مَنْ أَخَذَ بِهَا لَحِقَ وَغَنِمَ ، وَمَنْ وَقَفَ عَنْهَا ضَلَّ وَنَدِمَ .
اعْمَلُوا لِيَوْمٍ تُذْخَرُ لَهُ الذَّخَائِرُ ، وَتُبْلَى فِيهِ السَّرَائِرُ . وَمَنْ لاَ يَنْفَعُهُ حَاضِرُ لُبِّهِ فَعَازِبُهُ عَنْهُ أَعْجَزُ ، وَغَائِبُهُ أَعْوَزُ . وَاتَّقُوا نَاراً حَرُّهَا شَدِيدٌ ، وَقَعْرُهَا بَعِيدٌ ، وَحِلْيَتُهَا حَدِيدٌ ، وَشَرَابُهَا صَدِيدٌ . أَلاَ وَإِنَّ اللِّسَانَ الصَّالِحَ يَجْعَلُهُ اللّهُ تَعَالَى لِلْمَرْءِ فِي النَّاس ، خَيْرٌ لَهُ مِنَ الْمَالِ يُورِثُهُ مَنْ لاَ يَحْمَدُهُ .

الشّرْحُ :

رواها قوم « لقد عَلِمْتُ » بالتخفيف وفتح العين ، والرواية الأُولى أحسن ، فتبليغ الرسالات تبليغ الشرائع بعد وفاة الرسول صلى الله عليه و آله وسلم إلى المكلّفين ، وفيه إشارة إلى قوله تعالى : « يُبَلِّغُونَ رِسَالاَتِ اللّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلاَ يَخْشَوْنَ أَحَدا إلاَّ اللّهَ » ۱ ، وإلى قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم في قصة براءة : « لا يؤدّي عنّي إلاّ أنا [أو] رجل منِّيجج » ۲ .

1.سورة الأحزاب ۳۹ .

2.أخرجه بهذا اللفظ : النسائي في السنن الكبرى ۵ : ۱۲۹ ح۸۴۶۲ ، والسيوطي في الدر المنثور ۴ : ۱۲۳ ، وابن حجر في فتح الباري شرح صحيح البخاري ۸ : ۳۱۸ ، وابن مردويه في مناقب علي بن أبي طالب : ص ۲۵۱ ح ۳۶۸ . وقد رُوي الحديث بألفاظ عديدة ، وأخرجه أكثر من سبعين من أئمة الحديث وحفّاظه ، أورد أسماءهم العلاّمة الأميني في موسوعته الغدير ۶ : ۴۷۶ ـ ۳۵۹ ط . المحققة ، كما ذكر رواته من الصحابة ، وعدَّ منهم ثلاثة عشر صحابياً ، كما فصّل في طرقه وألفاظه بما لا مزيد عليه ، فراجعه هناك ففيه فائدة .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8507
صفحه از 712
پرینت  ارسال به