367
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

إِلَيْهِ ، مِنْ قُلُوبٍ عُمْيٍ ، وَآذَانٍ صُمٍّ ، وَأَلْسِنَةٍ بُكْمٍ؛ مُتَتَبِّعٌ بِدَوَائِهِ مَوَاضِعَ الْغَفْلَةِ ، وَمَوَاطِنَ الْحَيْرَةِ .

الشّرْحُ :

إنّما قال : « دَوّار بطبّه » ؛ لأنّ الطبيب الدوّار أكثر تجربة ، أو يكون عَنَى به أ نّه يدور عَلَى مَنْ يعالجه ؛ لأنّ الصالحين يدورون على مرضى القلوب ، فيعالجونهم . والمراهم : الأدوية المركّبة للجراحات والقروح . والمواسم : حدائِدُ يُوسَم بها الخيل وغيرها .
ثم ذكر أ نّه إنما يعالج بذلك مَنْ يحتاج إليه ، وهم أُولو القلوب العُمْي ، والآذان الصمّ ، والألسنة البكم ، أي الخرس . وهذا تقسيم صحيح حاصر ؛ لأنّ الضلال ومخالفة الحقّ يكون بثلاثة أُمور : إمّا بجهْل القلب ، وبعدم سماع المواعظ والحجج ، أو بالإمساك عن شهادة التوحيد وتلاوة الذكر ، فهذه أُصول الضلال ، وأما أفعال المَعاصي ففروع عليها .

الأصْلُ :

۰.لَمْ يَسْتَضِيئُوا بِأَضْوَاءِ الْحِكْمَةِ؛ وَلَمْ يَقْدَحُوا بِزِنَادِ الْعُلُومِ الثَّاقِبَةِ؛ فَهُمْ فِي ذلِكَ كَالْأَنْعَامِ السَّائِمَةِ ، وَالصُّخُورِ الْقَاسِيَةِ . قَدِ انْجَابَتِ السَّرَائِرُ لِأَهْلِ الْبَصَائِرِ ، وَوَضَحَتْ مَحَجَّةُ الْحَقِّ لِخَابِطِهَا ، وَأَسْفَرَتِ السَّاعَةُ عَنْ وَجْهِهَا ، وَظَهَرَتِ الْعَلاَمَةُ لِمتَوَسِّمِهَا . مَا لِي أَرَاكُمْ أَشْبَاحاً بِلاَ أَرْوَاحٍ ؟ وَأَرْوَاحاً بَلاَ أَشْبَاحٍ ، وَنُسَّاكاً بِلاَ صَلاَحٍ ، وَتُجَّاراً بِلاَ أَرْبَاحٍ ، وَأَيْقَاظاً نُوَّماً ، وَشُهُوداً غُيَّباً ، وَنَاظِرَةً عَمْيَاءَ ، وسَامِعَةً صَمَّاءَ ، وَنَاطِقَةً بَكْمَاءَ!

الشّرْحُ :

انجابت : انكشفت . والمحجّة : الطريق . والخابط : السائر على غير سبيل واضحة . وأسفرت الساعة : أضاءت وأشرقت ، وعن متعلقة بمحذوف ، وتقديره : كاشفة عن وجهها . والمتوسم : المتفرّس . أشباحاً بلا أرواح ، أي أشخاصا لا أرواح لها ولا عقول ، وأرواحا بلا أشباح ؛ يمكن أن يريد به الخفة والطيش ، تشبيها بروح بلا جسد . ويمكن أن يعني به


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
366

خَرَقَ عِلْمُهُ بَاطِنَ غَيْبِ السُّتُرَات ، وَأَحَاطَ بِغُمُوض عَقَائِدِ السَّرِيرَاتِ .

الشّرْحُ :

الملاحم : جمع ملحمة ، وهي الوقعة العظيمة في الحرْب . ولما كانت دلائل إثبات الصانع ظاهرة ظهور الشمس ، وصفه عليه السلام بكونه ظهر وتجلّى لخلقه ، ودلّهم عليه بخلْقه إياهم وإيجاده لهم . ثم أكد ذلك بقوله : « والظاهر لقلوبهم بحجته » ، ولم يقل « لعيونهم » ؛ لأ نّه غير مرئيّ ، ولكنه ظاهر للقلوب بما أودعها من الحجج الدالة عليه . ثم نفى عنه الروية والفكر والتمثيل بين خاطرين ؛ ليعمل على أحدهما ؛ لأنّ ذلك إنما يكون لأرباب الضمائر والقلوب أُولِي النوازع المختلفة والبواعث المتضادّة .
ثم وصفه بأنّ علمه محيط بالظاهر والباطن والماضي والمستقبل ، فقال : إنّ علمه خرق باطن الغيوب المستورة ، وأحاط بالغامض من عقائد السرائر .

الأصْلُ :

۰.منها في ذكر النبي صلى الله عليه و آله وسلم :اخْتَارَهُ مِنْ شَجَرَةِ الْأَنْبِيَاءِ ، وَمِشْكَاةِ الضِّيَاءِ ، وَذُؤابَةِ الْعَلْيَاءِ ، وَسُرَّةِ الْبَطْحَاءِ ، وَمَصَابِيحِ الظُّلْمَةِ ، وَيَنَابِيعِ الْحِكْمَةِ .

الشّرْحُ :

شجرة الأنبياء ، أولاد إبراهيم عليه السلام ؛ لأنّ أكثر الأنبياء منهم . والمشكاة : كُوّة غير نافذة ، يجعل فيها المصباح . والذؤابة : طائفة من شعر الرأس . وسرّة البطحاء : وسطها .

الأصْلُ :

۰.منها :طَبِيبٌ دَوَّارٌ بِطِبِّهِ ، قَدْ أَحْكَمَ مَرَاهِمَهُ ، وَأَحْمَى مَوَاسِمَهُ ، يَضَعُ ذلِكَ حَيْثُ الْحَاجَةُ

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8812
صفحه از 712
پرینت  ارسال به