النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ صَلَّى اللّهُ عَلَيْهِ ، وَاللّهِ ۱ مَا كَذَبَ الْمُبَلِّغُ ، وَلاَ جَهِلَ السَّامِعُ .
لَكَأَنِّيأَنْظُرُ إِلَى ضِلِّيلٍ قَدْ نَعَقَ بِالشَّامِ ، وَفَحَصَ بِرَايَاتِهِ فِي ضَوَاحِي كُوفَانَ . فَإِذَا فَغَرَتْ فَاغِرَتُهُ ، وَاشْتَدَّتْ شَكِيمَتُهُ ، وَثَقُلَتْ فِي الْأَرْضِ وَطْأَتُهُ ، عَضَّتِ الْفِتْنَةُ أَبْنَاءَهَا بِأَنْيَابِهَا ، وَمَاجَتِ الْحَرْبُ بِأَمْوَاجِهَا ، وَبَدَا مِنَ الْأَيَّامِ كُلُوحُهَا ، وَمِنَ اللَّيَالِي كُدُوحُهَا . فَإِذَا أَيْنَعَ زَرْعُهُ ، وَقَامَ عَلَى يَنْعِهِ ، وَهَدَرَتْ شَقَاشِقُهُ ، وَبَرَقَتْ بَوَارِقُهُ ، عُقِدَتْ رَايَاتُ الْفِتَنِ الْمُعْضِلَةِ ، وَأَقْبَلْنَ كَاللَّيْلِ المُظْلِمِ ، وَالْبَحْرِ الْمُلْتَطِمِ .
هذا ، وَكَمْ يَخْرِقُ الْكُوفَةَ مِنْ قَاصِفٍ وَيَمُرُّ عَلَيْهَا مِنْ عَاصِفٍ ! وَعَنْ قَلِيلٍ تَلْتَفُّ الْقُرُونُ بِالْقُرُونِ ، وَيُحْصَدُ الْقَائِمُ ، وَيُحْطَمُ الْمحْصُودُ!
الشّرْحُ :
في الكلام محذوف ، وتقديره : « لا يجرمنكم شقاقي على أن تكذبوني » ، والمفعول فضلة وحذفه كثير . لا يجرمنّكم: لا يحملنّكم، وقيل: لا يكسبنّكم ، وهو من الألفاظ القرآنية . ولا يستهوينَّكم: أي لا يستهيمنّكم ، يجعلكم هائمين . ولا تترامَوْا بالأبصار، أي لا يلحَظُ بعضكم بعضا ؛ فعلَ المنكرِ المكذّب .
ثم أقسم بالذي فَلَق الحبّة، وبرأ النسمة، فَلَق الحبّة من البر، أي شقّها وأخرج منها الوَرق الأخضر . وبرأ النّسمة ، أي خلق الإنسان، وهذا القَسَم لا يزال أميرُ المؤمنين يُقسِم به، وهو من مبتكراته ومبتدعاته . والمبلّغ والسامع هو نفسه ۲ عليه السلام ، يقول : ما كذبتُ على الرسول
1.في نسخ أُخرى جاء فيها : صلّى اللّه عليه وآله ، ما كذب المبلّغ ... الخ وهو الموافق للصواب من جهتين : الأُولى : محال أن تصدر من أمير المؤمنين عليه السلام صلاة بتراء على النبيّ ، بعد أن سمع قول النبي صلى الله عليه و آله وسلم : « لا تصلّوا عليّ الصلاة البتراء » ، بل هو عليه السلام الراوي : « كل دعاء محجوب حتى يُصلّى على محمد وآل محمد » ، فكيف تراه هو يبترها في خطبة ؟! المعجم الأوسط ۱ : ۴۰۸ ح۷۲۵ ، مجمع الزوائد ۱۰ : ۱۶۰ ، شرح المواهب اللدنّيّة ۷ : ۷ ، الصواعق المحرقة : ص۱۴۸ .
الثانية : كان في بداية الكلام قد أقسم بالذي فلق الحبة ... فما الداعي أن يكرر القسم بلفظ الجلالة فيما بعد ؟! وعليه فلفظ الجلالة هو تتمة الصلاة على النبي وآله . فلابدّ أن تكون لفظة واللّه هي (وآله) في الأصل .
2.ذكر الشارح : « عنى عليه السلام بالمبلّغ والسامع مع نفسه عليه السلام » . وهو محل نظر ، بل ظاهر السياق والأوفق بالمعنى ، أنْ يكون المراد بالمبلّغ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم والسامع نفسه ، وهو جلي بعد أدنى تأمّل . « الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء ، في تعليقته على شرح النهج لمحمد عبده المخطوطة » .