وَبِآخِرِيَّتِهِ وَجَبَ أَنْ لاَ آخِرَ لَهُ .
الشّرْحُ :
يقول : الباري تعالى موجود قبل كلّ شيء ، يشير العقل إليه ويفرضه أول الموجودات ، وكذلك هو موجود بعد كلّ شيء ، يشير العقل إليه ويفرضه آخر ما يبقى من جميع الموجودات ؛ فإن البارئ سبحانه بالاعتبار الأول يكون أولاً قبل كلّ ما يفرض أولاً ، وبالاعتبار الثاني يكون آخراً بعد كل ما يفرض آخراً . فأمّا قوله : « بأوليّته وجب أن لا أوّل له ... » إلى آخر الكلام ، فيمكن أن يفسّر على وجهين :
أحدُهما : أ نّه تعالى لما فرضناه أولاً مطلقاً ، تبع هذا الفرض أن يكون قديما أزليّا ، وهو المعنيّ بقوله : « وجب أن لا أوّل » وإنما تبعه ذلك ، لأ نّه لو لم يكن أزلياً لكان محدَثاً فكان له محدِث ، والمحدِث متقدّم على المحدَث ؛ لكنا فرضناه أولاً مطلقاً ، أي لا يتقدّم عليه شيء ، فيلزم المحال والخلف . وهكذا القول في آخريّته ، لأنا إذا فرضناه آخراً مطلقاً ؛ تبع هذا الفرض أن يكون مستحيل العدم ، وهو المعنيّ بقوله : « وجب أن لا آخر له » .
والتفسير الثاني : ألاّ تكون الضمائر الأربعة راجعة إلى الباري سبحانه ، بل يكون منها ضميران راجعين إلى غيره ، ويكون تقدير الكلام بأوليّة الأول الذي فرضنا كون البارئ سابقا عليه ، علمنا أن البارئ لا أول له ، وبآخرية الآخر الذي فرضنا أنّ البارئ متأخر عنه ، علمنا أنّ البارئ لا آخر له ، وإنّما علمنا ذلك لأ نّه لو كان سبحانه أولاً لأول الموجودات وله مع ذلك أول لزم التسلسل ، وإثبات محدِثين ومحدَثين إلى غير نهاية ، وهذا محال .
ولو كان سبحانه آخراً لآخر الموجودات وله مع ذلك آخر لزم التسلسل ، وإثبات أضداد تعدم ويعدمها غيرها إلى غير نهاية ، وهذا أيضا محال .
الأصْلُ :
۰.وَأَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلهَ إِلاَّ اللّهُ شَهَادَةً يُوَافِقُ فِيهَا السِّرُّ الاْءِعْلاَنَ ، وَالْقَلْبُ اللِّسَانَ .
أَيُّهَا النَّاسُ ، لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِي ، وَلاَ يَسْتَهْوِيَنَّكُمْ عِصْيَانِي ، وَلاَ تَتَرَامَوْا بِالْأَبْصَارِ عِنْدَمَا تَسْمَعُونَهُ مِنِّي . فَوَالِّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ ، وَبَرَأَ النَّسَمَةَ ، إِنَّ الَّذِي أُنَبِّـئُكُمْ بِهِ عَنِ