كأنه قال : « ونظرَ بين يديه متقدما لغيره وسابقا إياه إلى ذلك » . والباء في « بالجنة » و « بالنار » و « باللّه » و « بالكتاب » زائدة ، والتقدير : كفا اللّه ، وكفى الكتاب !
الأصْلُ :
۰.أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللّهِ الَّذِي أَعْذَرَ بِمَا أَنْذَرَ ، وَاحْتَجَّ بِمَا نَهَجَ ، وَحَذَّرَكُمْ عَدُوّا نَفَذَ فِي الصُّدُورِ خَفِيّا ، وَنَفَثَ فِي الآذَانِ نَجِيّا ، فَأَضَلَّ وَأَرْدَى ، وَوَعَدَ فَمَنَّى ، وَزَيَّنَ سَيِّئَاتِ الْجَرَائِمِ ، وَهَوَّنَ مُوبِقَاتِ الْعَظَائِمِ ، حَتَّى إِذَا اسْتَدْرَجَ قَرِينَتَهُ ، وَاسْتَغْلَقَ رَهِينَتَهُ ، أَنْكَرَ مَا زَيَّنَ ، وَاسْتَعْظَمَ مَا هَوَّنَ ، وَحَذَّرَ مَا أَمَّنَ .
الشّرْحُ :
« أعْذر بما أنذر » ، ما هاهنا مصدرية ، أي أعذر بإنذاره . ويجوز أن تكونَ بمعنى « الذي » . والعدوّ المذكور : الشيطان .
وقوله : « نَفَذ في الصدور » و « نفث في الآذان » كلام صحيح بديع . وفي قوله : « نفذ في الصدور » ، مناسبة لقوله صلى الله عليه و آله وسلم : « الشيطان يجري من بني آدم مجرى الدم » ، والنجيّ : الذي يسارّه ، والجمع الأنجية . وقد يكون النجيّ جماعة مثل الصديق ، قال اللّه تعالى : « خَلَصُوا نَجِيّا » ۱ ، أي متناجين .
القرينة هاهنا : الإنسان الذي قارنه الشيطان ، ولفظه لفظ التأنيث ؛ وهو مذكّر ، أراد القرين ، قال تعالى : « فَبِئْسَ الْقَرِينُ » ۲ ، ويجوز أن يكون أراد بالقرينة النفس ، ويكون الضمير عائدا إلى غير مذكور لفظا لما دلّ المعنى عليه ؛ لأنّ قوله : « فأضل وأردى ، ووعد فمنّى » معناه أضلّ الإنسان وأردى ، ووعده فمنّى ، فالمفعول محذوف لفظا ؛ وإليه رجع الضمير على هذا الوجه ؛ ويقال : غَلِق الرّهن إذا لم يفتَكّه الراهن في الوقت المشروط ، فاستحقّه المرتهن . وهذا الكلام مأخوذ من قوله تعالى : « وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأمْرُ إنَّ اللّهَ