الأصْلُ :
۰.وَاعْلَمُوا أَنَّ مَجَازَكُمْ عَلَى الصِّرَاطِ وَمَزَالِقِ دَحْضِهِ ، وَأَهَاوِيلِ زَلَلِهِ ، وَتَارَاتِ أَهْوَالِهِ ؛ فَاتَّقُوا اللّهَ عِبَادَ اللّهِ تَقِيَّةَ ذِي لُبٍّ شَغَلَ التَّفَكُّرُ قَلْبَهُ ، وَأَنْصَبَ الْخَوْفُ بَدَنَهُ ، وَأَسْهَرَ التَّهَجُّدُ غِرَارَ نَوْمِهِ ، وَأَظْمَأَ الرَّجَاءُ هَوَاجِرَ يَوْمِهِ ، وَظَلَفَ الزُّهْدُ شَهَوَاتِهِ ، وَأَوْجَفَ الذِّكْرُ بِلِسَانِهِ ، وَقَدَّمَ الْخَوْفَ لِأَمَانِهِ ، وَتَنَكَّبَ الْمَخَالِجَ عَنْ وَضَحِ السَّبِيلِ ، وَسَلَكَ أَقْصَدَ المَسَالِكِ إِلَى النَّهْجِ الْمَطْلُوبِ ؛ وَلَمْ تَفْتِلْهُ فَاتِلاَتُ الْغُرُورِ ، وَلَمْ تَعْمَ عَلَيْهِ مُشْتَبِهَاتُ الْأُمُورِ ، ظَافِرا بِفَرْحَةِ الْبُشْرَى ، وَرَاحَةِ النُّعْمَى ، فِي أَنْعَمِ نَوْمِهِ ، وَآمَنِ يَوْمِهِ .
قَدْ عَبَرَ مَعْبَرَ الْعَاجِلَةِ حَمِيدا ، وَقَدَّمَ زَادَ الآجِلَةِ سَعِيدا ، وَبَادَرَ عَنْ وَجَلٍ ، وَأَكْمَشَ فِي مَهَلٍ ، وَرَغِبَ فِي طَلَبٍ ، وَذَهَبَ عَنْ هَرَبٍ ، وَرَاقَبَ فِي يَوْمِهِ غَدَهُ ، وَربَّمَا نَظَرَ قُدُما أَمَامَهُ .
فَكَفَى بِالْجَنَّةِ ثَوَابا وَنَوَالاً ، وَكَفَى بِالنَّار عِقَابا وَوَبَالاً ! وَكَفَى بِاللّهِ مُنْتَقِما وَنَصِيرا ! وَكَفَى بِالْكِتَابِ حَجِيجا وَخَصِيما!
الشّرْحُ :
وقال أصحابنا رحمهم اللّه تعالى : الصراط الوارد ذكرُه في الكتاب العزيز ؛ هو الطريق لأهل الجنة إلى الجنة ، ولأهل النار إلى النار بعد المحاسبة ، قالوا : لأنّ أهلَ الجنة ممرّهم على باب النار ، فمن كان من أهل النار عُدِل به إليها ، وقذف فيها ، ومَنْ كان من أهل الجنّة مَرّ بالنار مرورا نجا منها إلى الجنة ، وهو معنى قوله تعالى : « وَإِنْ مِنْكُمْ إلاَّ وَارِدُهَا » ۱ ؛ لأنّ ورودها هو القرب منها ، والدنوّ إليها ، وقد دلّ القرآن على سُور مضروب بين مكان النار وبين الموضع الذي يجتازون منه إلى الجنة في قوله : « فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطنُهُ فِيهِ الرّحْمةُ وَظَاهِرُهُ