155
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

قوله : « والمجلِب بخيله ورجلِه » ، المجلب اسم فاعل من أجلب عليه ، أي أعان عليهم . والرَّجْل : جمع راجل ، كالركب جمع راكب ، والشَّرْب جمع شارب ؛ وهذا من ألفاظ الكتاب العزيز : « وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَرَجِلِكَ » ۱ . وأشرط نفسه ؛ أي هَيّأها وأعدّها للفساد في الأرض . وأوبق دينه : أهلكه . والحُطام : المال ؛ وأصله ما تَكَسَّرَ من اليَبيس . ينتهزه : يختلسه . والمِقْنَب : خيل ما بين الثلاثين إلى الأربعين . ويَفْرَعُه : يعلوه . وطامَن من شخصه ، أي خَفَض . وقارب مِنْ خَطْوه : لم يسرع ومشى رويدا . وشمّر من ثوبه : قَصّره . وزخرف من نفسه : حَسَّن ونمّق وزين . والزّخرف : الذهب في الأصل . وضُئولة نفسه : حقارتها . والنادّ : المنفرد . والمكْعوم : من كعمت البعير ، إذا شددت فمه . والأُجاجُ : الملح . وأفواههم ضامزة ، بالزاي ؛ أي ساكنة . والقرظ : ورَق السَّلَم ، يُدْبَغ به . وحُثالتُه : ما يسقط منه . والجَلم : المقصّ تُجَزّ به أوبارُ الإبل . وقراضته : ما يقع من قَرْضه وقطعه .
فإن قيل : بَيّنوا لنا تفصيلَ هذه الأقسام الأربعة .
قيل :
القسم الأول : مَنْ يقعدُ به عن طلب الإمرة قلة ماله ، وحقارتُه في نفسه .
والقسم الثاني : مَنْ يُشَمِّر ويطلب الإمارة ويُفْسد في الأرض ويكاشف .
والقسم الثالث : مَنْ يُظهر ناموس الدين ويطلب به الدنيا .
والقسم الرابع : مَنْ لا مال له أصلاً ، ولا يكاشف ، ويطلب المُلْك ولا يطلب الدّنيا بالرياء والناموس ، بل تنقطِع أسبابُه كلُّها فيخلُد إلى القناعة ، ويتحلّى بحلْية الزَّهادة في اللذات الدنيوية ، لا طلبا للدنيا بل عَجْزا عن الحركة فيها ، وليس بزاهد على الحقيقة .
فإن قيل : فهاهنا قسم خامس ، قد ذكره عليه السلام ؛ وهم الأبرار الأتقياء ، الّذين أراقَ دموعَهم خوفُ الآخرة .
قيل : إنّه عليه السلام إنما قال : « إنّ الناس على أربعة أصناف » ، وعَنَى بهم مَنْ عَدَا المتقين ؛ ولهذا قال لما انقضى التقسيم : « وبقي رجال غضَّ أبصارَهم ذِكْرُ المرجع » ، فأبان بذلك عن أنّ هؤلاء خارجون عن الأقسام الأربعة .
واعلم أنّ هذه الخطبة تتضمّن الذمّ لكثير ممّن يَدَّعِي الآخرة من أهلِ زماننا ، وهم أهلُ الرياء والنفاق ، ولابسُو الصوف والثياب المرقوعة لغير وجه اللّه .

1.سورة الإسراء ۶۴ وقراءة حفص بكسر الجيم في « رجلك » .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
154

قَرِحَةٌ ، قَدْ وَعَظُوا حَتَّى مَلُّوا ، وَقُهِرُوا حَتَّى ذَلُّوا ، وَقُتِلُوا حَتَّى قَلُّوا .
فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا في أَعْيُنِكُمْ أَصْغَرَ مِنْ حُثَالَةِ الْقَرَظِ ، وَقُرَاضَةِ الْجَلَمِ وَاتَّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ ؛ وَارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً ، فَإِنَّهَا قَدْ رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْكُمْ .

قال الرضي رحمه الله :
وهذه الخطبة ربما نسبها من لا علم له إلى معاوية وهي من كلام أمير المؤمنين عليه السلام الذي لا يُشكّ فيه ، وأين الذهب من الرّغام ! وأين العذب من الأُجاج ! وقد دلّ على ذلك الدليل الخِرِّيت ونَقَدهُ الناقد البصير عمرو بن بحرٍ الجاحظ ؛ فإنه ذكر هذه الخطبة في كتاب «البيان والتبيين» وذكر من نسبها إلى معاوية ، ثم تكلم من بعدها بكلام في معناها ، جملته أنه قال : وهذا الكلام بكلام علي عليه السلام أشبه ، وبمذهبه في تصنيف الناس ، وفي الإخبار عما هم عليه من القهر والإذلال ، ومن التقية والخوف ، أليق . قال : ومتى وجدنا معاوية في حال من الأحوال يسلك في كلامه مسلك الزهاد ، ومذاهب العُبّاد ؟!!

الشّرْحُ :

دهر عَنود : جائر ، عَنَد عن الطريق ؛ يعنُد بالضمّ ، أي عدل وجار . ويمكن أن يكون من عَنَدَ يَعْنِد بالكسر ، أي خالف وردّ الحقّ وهو يعرفه ؛ إلاّ أنّ اسم الفاعل المشهور في ذلك عاند وعنيد ؛ وأما عَنُود فهو اسم فاعل ؛ من عَنَد يعنُد بالضم .
قوله : « وزمن شديد » أي بخيل ، ومنه قوله تعالى : « وَإنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ » ۱ أي وإنّه لبخيل لأجل حُبّ الخير ، والخير : المال . وقد رُوي « وزمن كنود » وهو الكفور ، قال تعالى : « إنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ » ۲ . والقارعة : الخطْب الذي يَقْرع ، أي يصيب .
قوله : « ونضيض وفره » أي قلّة ماله ، وكان الأصل « ونضاضة وفره » ليكون المصدرُ في مقابلة المصدر الأول ، وهو « كلالة حَدّه » ، لكنه أخرجه على باب إضافة الصّفة إلى الموصوف ، كقولهم: عليه سَحْقُ عمامة ، وجَرْد قطيفة ، وأخلاق ثياب .

1.سورة العاديات ۸.

2.سورة العاديات ۶ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 8751
صفحه از 712
پرینت  ارسال به