قَرِحَةٌ ، قَدْ وَعَظُوا حَتَّى مَلُّوا ، وَقُهِرُوا حَتَّى ذَلُّوا ، وَقُتِلُوا حَتَّى قَلُّوا .
فَلْتَكُنِ الدُّنْيَا في أَعْيُنِكُمْ أَصْغَرَ مِنْ حُثَالَةِ الْقَرَظِ ، وَقُرَاضَةِ الْجَلَمِ وَاتَّعِظُوا بِمَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ، قَبْلَ أَنْ يَتَّعِظَ بِكُمْ مَنْ بَعْدَكُمْ ؛ وَارْفُضُوهَا ذَمِيمَةً ، فَإِنَّهَا قَدْ رَفَضَتْ مَنْ كَانَ أَشْغَفَ بِهَا مِنْكُمْ .
قال الرضي رحمه الله :
وهذه الخطبة ربما نسبها من لا علم له إلى معاوية وهي من كلام أمير المؤمنين عليه السلام الذي لا يُشكّ فيه ، وأين الذهب من الرّغام ! وأين العذب من الأُجاج ! وقد دلّ على ذلك الدليل الخِرِّيت ونَقَدهُ الناقد البصير عمرو بن بحرٍ الجاحظ ؛ فإنه ذكر هذه الخطبة في كتاب «البيان والتبيين» وذكر من نسبها إلى معاوية ، ثم تكلم من بعدها بكلام في معناها ، جملته أنه قال : وهذا الكلام بكلام علي عليه السلام أشبه ، وبمذهبه في تصنيف الناس ، وفي الإخبار عما هم عليه من القهر والإذلال ، ومن التقية والخوف ، أليق . قال : ومتى وجدنا معاوية في حال من الأحوال يسلك في كلامه مسلك الزهاد ، ومذاهب العُبّاد ؟!!
الشّرْحُ :
دهر عَنود : جائر ، عَنَد عن الطريق ؛ يعنُد بالضمّ ، أي عدل وجار . ويمكن أن يكون من عَنَدَ يَعْنِد بالكسر ، أي خالف وردّ الحقّ وهو يعرفه ؛ إلاّ أنّ اسم الفاعل المشهور في ذلك عاند وعنيد ؛ وأما عَنُود فهو اسم فاعل ؛ من عَنَد يعنُد بالضم .
قوله : « وزمن شديد » أي بخيل ، ومنه قوله تعالى : « وَإنَّهُ لِحُبِّ الخَيْرِ لَشَدِيدٌ » ۱ أي وإنّه لبخيل لأجل حُبّ الخير ، والخير : المال . وقد رُوي « وزمن كنود » وهو الكفور ، قال تعالى : « إنَّ الإنْسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ » ۲ . والقارعة : الخطْب الذي يَقْرع ، أي يصيب .
قوله : « ونضيض وفره » أي قلّة ماله ، وكان الأصل « ونضاضة وفره » ليكون المصدرُ في مقابلة المصدر الأول ، وهو « كلالة حَدّه » ، لكنه أخرجه على باب إضافة الصّفة إلى الموصوف ، كقولهم: عليه سَحْقُ عمامة ، وجَرْد قطيفة ، وأخلاق ثياب .