وَدُعَاءِ ضَلاَلَةٍ ، فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِهِ ، ضَالٌّ عَنْ هَدْيِ مَنْ كَانَ قَبْلَهُ ، مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِ في حَيَاتِهِ وَبَعْدَ وَفَاتِهِ ، حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ ، رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ .
وَرَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً ، مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ الْأُمَّةِ ، عَادٍ في أَغْبَاشِ الْفِتْنَةِ ، عَمٍ بِمَا في عَقْدِ الْهُدْنَةِ ؛ قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالِما وَلَيْسَ بِهِ ، بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ ؛ مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَحَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ مَاءٍ آجِنٍ ، وَاكْتَنَزَ مِن غَيْرِ طَائِلٍ ، جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِيا ضَامِنا لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ ، فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ هَيَّأَ لَهَا حَشْوا رَثّا مِنْ رَأْيِهِ ، ثُمَّ قَطَعَ بِهِ ، فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ في مِثْلِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ . لاَ يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ ؛ فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ ، وَإِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ . جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهَالاَت ، عَاشٍ رَكَّابُ عَشَوَات ، لَمْ يَعَضَّ عَلَى الْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ . يُذري الرِّوَايَاتِ إذراء الرِّيحِ الْهَشِيمَ . لاَ مَلِيٌّ ـ وَاللّهِ ـ بِإصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ ، وَلاَ أَهْلٌ لِمَا فُوّض إليه لاَ يَحْسَبُ الْعِلْمَ في شَيْءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ ، وَلاَ يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مَذْهَبا لِغَيْرِهِ ، وَإنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ ، تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ الدِّمَاءُ ، وَتَعُجُّ مِنْهُ الْمَوَارِيثُ . إِلَى اللّهِ أَشْكُو مِنْ مَعْشَرٍ يَعيِشُونَ جُهَّالاً ، وَيَمُوتُونَ ضُلاَّلاً ، لَيْسَ فِيهمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُِليَ حَقَّ تِلاوَتِهِ، وَلاَ سِلْعَةٌ، أَنْفَقُ بَيْعاً وَلاَ أَغْلَى ثَمَناً مِنَ الْكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ ، وَلاَ عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ الْمَعْرُوفِ ، وَلاَ أَعْرَفُ مِنَ الْمُنْكَرِ!
الشّرْحُ :
وكله إلى نفسه : تركه ونفسَه ، وكلْتُه وَكْلاً ووُكولاً . والجائر : الضالّ العادل عن الطريق . وقَمَش جهلاً : جمعه . ومُوضِع : مسرع ؛ أوضع البعيرُ أسرع ، وأوضعه راكبُه فهو مُوضِعٌ به ، أي أسرع به . وأغْباش الفتنة : ظُلمها ، الواحد غَبَش ، وأغباش الليل : بقايا ظُلمته . والماء الآجن : الفاسد . واكتثر » ، كقولك : « استكثر ، ويروى : « اكتنز » ، أي اتخذ العلم كنزاً . والتخليص : التبيين ، وهو والتلخيص متقاربان ، ولعلّهما شيء واحد من المقلوب .