93
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

عَلَى نِعَمِهِ التُّؤَامِ ، وَآلاَئِهِ الْعِظَامِ ؛ الَّذِي عَظُمَ حِلْمُهُ فَعَفَا ، وَعَدَلَ فِي كُلِّ مَا قَضَى ، وَعَلِمَ بمَا يَمْضِي وَمَا مَضَى ، مُبْتَدِعِ الْخَلاَئِقِ بِعِلْمِهِ ، وَمُنْشِئِهِمْ بِحُكْمِهِ ، بِلاَ اقْتِدَاءٍ وَلاَ تَعْلِيمٍ ، وَلاَ احْتِذَاءٍ لِمِثَالِ صَانِعٍ حَكِيمٍ ، وَلاَ إِصَابَةِ خَطَأٍ ، وَلاَ حَضْرَةِ مَلَأٍ .
وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، ابْتَعَثَهُ وَالنَّاسُ يَضْرِبُونَ فِي غَمْرَةٍ ، وَيَمُوجُونَ فِي حَيْرَةٍ ، قَدْ قَادَتْهُمْ أَزِمَّةُ الْحَيْنِ ، وَاسْتَغَلَقَتْ عَلَى أَفْئِدَتِهِمْ أَقْفَالُ الرَّيْنِ .
عِبَادَ اللّهِ ! أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللّهِ فَإِنَّهَا حَقُّ اللّهِ عَلَيْكُمْ ، وَالْمُوجِبَةُ عَلَى اللّهِ حَقَّكُمْ ، وَأَنْ تَسْتَعِينُوا عَلَيْهَا بِاللّهِ ، وَتَسْتَعِينُوا بِهَا عَلَى اللّهِ ؛ فَإِنَّ الْتَّقْوَى فِي الْيَوْمِ الْحِرْزُ وَالْجُنَّةُ ، وَفِي غَدٍ الطَّرِيقُ إِلَى الْجَنَّةِ . مَسْلَكُهَا وَاضِحٌ ، وَسَالِكُهَا رَابِحٌ ، وَمُسْتَوْدَعُهَا حَافِظٌ . لَمْ تَبْرَحْ عَارِضَةً نَفْسَهَا عَلَى الْأُمَمِ الْمَاضِينَ مِنْكُمْ ، وَالْغَابِرِينَ لِحَاجَتِهِمْ إِلَيْهَا غَداً ، إِذَا أَعَادَ اللّهُ مَا أَبْدَى ، وَأَخَذَ مَا أَعْطَى ، وَسَأَلَ عَمَّا أَسْدَى ، فَمَا أَقَلَّ مَنْ قَبِلَهَاَ ، وَحَمَلَهَا حَقَّ حَمْلِهَا ! أُولئِكَ الْأَقَلُّونَ عَدَداً ، وَهُمْ أَهْلُ صِفَةِ اللّهِ سْبْحَانَهُ إِذْ يَقُولُ : «وَقَلِيلٌ مِنْ عِبَادِيَ الشَّكُورُ» ۱ . فَأَهْطِعُوا بِأَسْمَاعِكُمْ إِلَيْهَا ، وَأَلِظُّوا بِجِدِّكُمْ عَلَيْهَا ، وَاعْتَاضُوهَا مِنْ كُلِّ سَلَفٍ خَلَفاً ، وَمِنْ كُلِّ مُخَالِفٍ مُوَافِقاً . أَيْقِظُوا بِهَا نَوْمَكُمْ ، واقْطَعُوا بِهَا يَوْمَكُمْ ، وَأَشْعِرُوهَا قُلُوبَكُمْ ، وَارْحَضُوا بِهَا ذُنُوبَكُمْ ، وَدَاوُوا بِهَا الْأَسْقَامَ ، وَبَادِرُوا بِهَا الْحِمَامَ ، وَاعْتَبِرُوا بِمَنْ أَضَاعَهَا ، وَلاَ يَعْتَبِرَنَّ بِكُمْ مَنْ أَطَاعَهَا .
أَلاَ فَصُونُوهَا وَتَصَوَّنُوا بِهَا ، وَكُونُوا عَنِ الدُّنْيَا نُزَّاهاً ، وَإِلَى الاْخِرَةِ وُلاَّهاً ، وَلاَ تَضَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ التَّقْوَى ، وَلاَ تَرْفَعُوا مَنْ رَفَعَتْهُ الدُّنْيَا ، وَلاَ تَشِيمُوا بَارِقَهَا ، وَلاَ تَسْمَعُوا نَاطِقَهَا ، وَلاَ تُجِيبُوا نَاعِقَهَا ، وَلاَ تَسْتَضِيئُوا بِإِشْرَاقِهَا ، وَلاَ تُفْتَنُوا بِأَعْلاَقِهَا ، فَإِنَّ بَرْقَهَا خَالِبٌ ، وَنُطْقَهَا كَاذِبٌ ، وَأَمْوَالَهَا مَحْرُوبَةٌ ، وَأَعْلاَقَهَا مَسْلُوبَةٌ .
أَلاَ وَهِيَ الْمُتَصَدِّيَةُ الْعَنُونُ ، وَالْجَامِحَةُ الْحَرُونُ ، وَالْمَائِنَةُ الْخَؤُونُ ، وَالْجَحُودُ

1.سورة سبأ ۱۳ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
92

ضنْك ، أي ضيّق . وشديد كلَبها ، أي شرّها وأذاها . واللجَب : الصوت . ووُقودها هاهنا ، بضم الواو ؛ وهو الحدَث ، ولا يجوز الفتح ؛ لأنّه ما يوقد به كالحطب ونحوه ، وذاك لا يوصف بأنه ذاكٍ .
قوله عليه السلام : «عَمٍ قرارُها» ، أي لا يُهتدَى فيه لظلمته ، ولأنّه عميق جداً ، ويروى : « وكأنّ ليلهم نهار» وكذلك أُختها على التشبيه . والمآب : المرجع ، ومدينون : مجزيّون . قوله عليه السلام : «فلا رجعة تُنالون» الرّواية بضم التاء ، أي تعطوْن ، يقال : أنلت فلاناً مالا ، أي منحته ، وقد روي : «تَنَالون» بفتح التاء .
ثم أمر أصحابه أن يثبتوا ولا يعجلوا في محاربةِ مَنْ كان مخالطاً لهم من ذوِي العقائد الفاسدة كالخوارج ، ومَنْ كان يُبطِنُ هَوى معاوية ، وليس خطابه هذا تثبيطا لهم عن حرب أهل الشام ، كيف وهو لا يزال يقرِّعهم ويوبِّخُهم عن التقاعد والإبطاء في ذلك ! ولكنّ قوما من خاصّته كانوا يطّلعون على ما عند قوم من أهل الكوفة ، ويعرفون نفاقهم وفسادهم ، ويرومون قتلهم وقتالهم ، فنهاهم عن ذلك ، وكان يخاف فرقة جُنْده وانتثار حَبْل عسكره ، فأمرهم بلزوم الأرض ، والصبر على البلاء .
وروي بإسقاط الباء من قوله : «بأيديكم» ، ومَنْ رَوى الكلمة بالباء جعلها زائدة ، ويكون المعنى : ولا تحرّكوا الفتنة بأيديكم وسيوفكم في هوى ألسنتكم ، فحذف المفعول . والإصلات بالسيف : مصدر أصلت ، أي سلّ .
واعلم أنّ هذه الخطبة من أعيان خُطَبه عليه السلام ، ومن ناصع كلامه ونادره ، وفيها من صناعة البديع الرائقة المستحسَنة البريئة من التكلّف ما لا يخفى .

۲۳۷

الأصْلُ:

۰.ومن خطبة له عليه السلامالْحَمْدُ لِلّهِ الْفَاشِي فِي الْخَلْقِ حَمْدُهُ ، وَالْغَالِبِ جُنْدُهُ ، وَالْمُتَعَالِي جَدُّهُ ؛ أَحْمَدُهُ

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5913
صفحه از 800
پرینت  ارسال به