9
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

لِي ، وَلاَ الِْتمَاسَ إِعْظَامٍ لِنَفْسِي ، فَإِنَّهُ مَنِ اسْتَثْقَلَ الْحَقَّ أَنْ يُقَالَ لَهُ أَوْ الْعَدْلَ أَنْ يُعْرَضَ عَلَيْهِ ، كَانَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَثْقَلَ عَلَيْهِ . فَـلاَ تَكُفُّوا عَنْ مَقَالَةٍ بِحَقٍّ ، أَوْ مَشُورَةٍ بِعَدْلٍ ، فَإِنِّي لَسْتُ فِي نَفْسِي بِفَوْقِ أَنْ أُخْطِئَ ، وَلاَ آمَنُ ذلِكَ مِنْ فِعْلِي ، إِلاَّ أَنْ يَكْفِيَ اللّهُ مِنْ نَفْسِي مَا هُوَ أَمْلَكُ بِهِ مِنِّي ، فَإنَّمَا أَنَا وَأَنْتُمْ عَبِيدٌ مَمْلُوكُونَ لِرَبٍّ لاَ رَبَّ غَيْرُهُ ؛ يَمْلِكُ مِنَّا مَا لاَ نَمْلِكُ مِنْ أنْفُسِنَا ، وَأَخْرَجَنَا مِمَّا كُنَّا فِيهِ إِلَى مَا صَلَحْنَا عَلَيْهِ ، فَأَبْدَلَنَا بَعْدَ الضَّلاَلَةِ بِالْهُدَى ، وَأَعْطَانَا الْبصِيرَةَ بَعْدَ الْعَمَى .

الشّرْحُ:

هذا الفصل وإن لم يكن فيه ألفاظ غريبة سبيلُها أن تشرَح ، ففيه معان مختلفة سبيلها أن تذكر وتوضّح ، وتذكر نظائرها وما يناسبها :
فمنها قوله عليه السلام : إنّ من حقّ مَنْ عَظُمت نعمة اللّه عليه أن تعظُم عليه حقوق اللّه تعالى ، وأنْ يعظُم جلال اللّه تعالى في نفسه ، ومن حقّ مَنْ كان كذلك ، أن يصغُر عنده كلُّ ما سوى اللّه . وهذا مقام جليل من مقامات العارفين ، وهو استحقار كلّ ما سوى اللّه تعالى ، وذلك أنّ مَنْ عرف اللّه تعالى فقد عرف ما هو أعظمُ من كلّ عظيم ، بل لا نسبة لشيء من الأشياء أصلاً إليه سبحانه ، فلا يظهر عند العارف عظمةُ غيره البتّة ، كما أنّ مَنْ شاهد الشّمس المنيرة يستحقر ضوء القمر والسراج الموضوع في ضوء الشمس ، حال مشاهدته جرْم الشمس .
ومنها قوله عليه السلام : منْ أسخَف حالات الولاة أن يظنّ بهم حبّ الفخر ويُوضع أمرهم على الكِبْر . قال النبيّ صلى الله عليه و آله وسلم : «لا يدخل الجنَّةَ مَنْ كان في قلبه مثقال حبّة من كِبْر» .
ومنها قوله عليه السلام : قد كرهتُ أن تظنّوا بي حبّ الإطراء واستماع الثناء ، قد روي عن النبيّ صلى الله عليه و آله وسلمأنه قال : «احثُوا في وجوه المدّاحين التراب» . وكان يقال : إذا سمعتَ الرّجُل يقول فيك من الخير ماليس فيك ، فلا تأمن أن يقول فيك من الشرّ ما ليس فيك .
ومنها قوله عليه السلام : لو كنت كذلك لتركته انحطاطا للّه تعالى عن تناول ما هو أحقّ به من الكبرياء . في الحديث المرفوع : «مَنْ تواضع للّه رفعه اللّه ، ومَنْ تكبّر خفضه اللّه » . وفيه أيضا : العظمة إزاري ، والكبرياء ردائي ، فمن نازعني فيهما قصمتُه .
ومنها قوله عليه السلام : لا تظنّوا بي استثقالَ رفع الحقّ إليّ ، فإنه مَن استثقل الحق أن يقال له ، كان


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
8

احتقرته وازدرته .
ومثل قوله عليه السلام : «وليس امرؤ وإن عظمت في الحقّ منزلته» ، قولُ زيد بن علي عليه السلام لهشام بن عبد الملك : إنه ليس أحدٌ وإنْ عظمت منزلته بفوقٍ أن يُذَكَّر باللّه ، ويحذّر من سطوته ، وليس أحدٌ وإن صغُر بدونِ أن يذكَّر باللّه ويخوّف من نقمته .
ومثل قوله عليه السلام : «وإذا غلبت الرعيّة واليها» ، قولُ الحكماء : إذا علا صوت بعض الرعيّة على الملك فالملك مخلوع ، فإن قال : نعم ، فقال أحدٌ من الرعيّة : لا ، فالملك مقتول .

۲۱۰

الأصْلُ:

۰.فأجابه عليه السلام رجل من أصحابه بكلام طويل يكثر فيه الثناء عليه ، ويذكر سمعه وطاعته له ، فقال عليه السلام :إِنَّ مِنْ حَقِّ مَنْ عَظُمَ جَلاَلُ اللّهِ سُبْحَانَهُ فِي نَفْسِهِ ، وَجَلَّ مَوْضِعُهُ مِنْ قَلْبِهِ ، أَنْ يَصْغُرَ عِنْدَهُ ـ لِعِظَمِ ذلِكَ ـ كُلُّ مَا سِوَاهُ ، وَإِنَّ أَحَقَّ مَنْ كَانَ كَذلِكَ لَمَنْ عَظُمَتْ نِعْمَةُ اللّهِ عَلَيْهِ ، وَلَطُفَ إِحْسَانُهُ إِلَيْهِ ، فَإِنَّهُ لَمْ تَعْظُمْ نِعْمَةُ اللّهِ عَلَى أَحَدٍ إِلاَّ ازْدَادَ حَقُّ اللّهِ عَلَيْهِ عِظَماً . وَإِنَّ مِنْ اَسْخَفِ حَالاَتِ الْوُلاَةِ عَنْدَ صَالِحِ النَّاسِ ، أَنْ يُظَنَّ بِهِمْ حُبُّ الْفَخْرِ ، وَيُوضَعَ أَمْرُهُمْ عَلَى الْكِبْرِ ، وَقَدْ كَرِهْتُ أَنْ يَكُونَ جَالَ فِي ظَنِّكُمْ أَنِّي أُحِبُّ الاْءِطْرَاءَ ، وَاسْتَِماعَ الثَّنَاءِ ؛ وَلَسْتُ ـ بِحَمْدِ اللّهِ ـ كَذلِكَ ، وَلَوْ كُنْتُ أُحِبُّ أَنْ يُقَالَ ذلِكَ لَتَرَكْتُهُ انْحِطَاطاً للّهِ سُبْحَانَهُ عَنْ تَنَاوُلِ مَا هُوَ أَحَقُّ بِهِ مِنَ الْعَظَمَةِ وَالْكِبْرِيَاءِ .
وَرُبَّمَا اسْتَحْلَى النَّاسُ الثَّنَاءَ بَعْدَ الْبَلاَءِ ، فَـلاَ تُثْنُوا عَلَيَّ بِجَمِيلِ ثَنَاءٍ ، لاِءِخْرَاجِي نَفْسِي إِلَى اللّهِ سُبْحَانَهُ وَإِلَيْكُمْ مِنَ البقيّة فِي حُقُوقٍ لَمْ أَفْرُغْ مِنْ أَدَائِهَا ، وَفَرَائِضَ لاَ بُدَّ مِنْ إِمْضائِهَا ، فَـلاَ تُكَلِّمُونِي بَمَا تُكَلَّمُ بِهِ الْجَبَابِرَةُ ، وَلاَ تَتَحَفَّظُوا مِنِّي بِمَا يُتَحَفَّظُ بِهِ عِنْدَ أَهْلِ الْبَادِرَةِ ، وَلاَ تُخَالِطُونِي بالْمُصَانَعَةِ ، وَلاَ تَظُنُّوا بِيَ اسْتِثْقَالاً فِي حَقٍّ قِيلَ

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5940
صفحه از 800
پرینت  ارسال به