وينْهد فيه الأشرار ، ينهضون إلى الولايات والرِّياسات ، وترتفع أقدارُهم في الدنيا . ويُستَذَلّ فيه أهْل الخيْر والدِّين ، ويكون فيه بَيْعٌ على وجه الاضطرار والإلجاء ؛ كمن بيعتْ ضَيْعَته ؛ وهو ذليل ضعيف ، مِن ربِّ ضَيْعةٍ مجاورة لها ذي ثَرْوة وعِزّ وجاه فيلجِئه بمَنْعه الماء واستذلاله الأكرةَ والوكيل إلى أن يبيعها عليه ؛ وذلك منهيٌّ عنه ، لأنّه حرامٌ مَحْض .
۴۷۸
الأصْلُ:
۰.وقال عليه السلام :يَهْلِكُ فِيَّ رَجُلاَنِ : مُحِبٌّ مُفْرِطٌ ، وَبَاهِتٌ مُفْتَرٍ .
قال الرضي رحمه الله : وهذا مثل قوله عليه السلام : «هَلَكَ فِيّ اثْنانِ : مُحِبٌّ غَالٍ ، وَمُبْغِضٌ قَالٍ » .
الشّرْحُ:
قد تقدّم شرحُ مِثلِ هذا الكلام ؛ وخلاصةُ هذا القول : أنّ الهالك فيه المُفْرِط والمفرِّط ، أما المُفرِط فالغُلاة ، ومن قال بتكفير أعيان الصّحابة ونِفاقِهم أو فِسْقهم ، وأمّا المُفرِّط فمن استنقص به عليه السلام أو أبغَضَه أو حارَبَه أو أضمَر له غِلاًّ ؛ ولهذا كان أصحابُنا أصحابَ النّجاة والخلاص والفَوْز في هذه المسألة ؛ لأنّهم سَلَكوا طريقةً مقتصدة ، قالوا : هو أفضل الخَلْق في الآخرة ، وأعلاهُم منزلةً في الجنّة ، وأفضل الخَلق في الدّنيا ، وأكثرهم خصائص ومزايَا ومناقب ، وكلّ من عاداه أو حاربه أو أبغَضَه فإنه عدوٌّ للّه سبحانه وخالدٌ في النّار مع الكفّار والمنافقين ، إلاّ أن يكون ممن قد ثبتتْ توبتُه ، ومات على تولِّيه وحُبِّه .
فأما الأفاضلُ مِن المهاجرين والأنصار الذين وَلُوا الإمامَة قبله فلو أنّه أنكر إمامتَهم وغضب عليهم ، وسخط فعلهم ، فضلاً عن أن يُشهِر عليهم السيف ، أو يدعو إلى نفسه ، لقُلْنا : إنهم من الهالكين ، كما لو غضب عليهم رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم ، لأنّه قد ثبَت أنّ رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلمقال له : «حربُك حَرْبي ، وسَلْمك سَلْمي» ، وأنه قال : «اللهم والِ مَن والاه ، وعاد من عاداه» ، وقال له : «لا يُحبُّك إلاّ مُؤْمن ، وَلا يبغضك إلاّ مُنافِق» ، ولكنا رأيناه رضيَ إمامَتَهم وبايعهم وصلّى