625
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

عَنِ الْمُنْكَرِ لاَ يُقَرِّبَانِ مِنْ أَجَلٍ ، وَلاَ يَنْقُصَانِ مِنْ رِزْقٍ ، وَأَفْضَلُ مِنْ ذلِكَ كُلِّهِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ إمَامٍ جَائِرٍ .

الشّرْحُ:

قد سبق قولُنا في الأمر بالمعروف والنهيِ عن المنكر ، وهو أحد الأُصول الخمسة عند أصحابنا . ولجَّة الماء : أعظَمُه . وبحرٌ لُجِّيّ : ذو ماء عظيم . والنّفْثَة : الفَعلة الواحدة ، من نَفَثْت الماء من فمي ، أي قذَفته بِقوّة .
قال عليه السلام : لا يعتقدنّ أحدٌ أنّه إنْ أمرَ ظالماً بمعروف ، أو نهى ظالماً عن منكَر ، أنّ ذلك يكون سببا لقتل ذلك الظالم المأمور أو المنهيّ إيّاه ، أو يكون سببا لقطع رزقه من جهته ، فإنّ اللّه تعالى قدّر الأجل ، وقضى الرِّزق ، ولا سبيلَ لأحد أن يَقطَع على أحد عمرَه أو رزقَه .
وهذا الكلام ينبغي أن يُحمَل على أنّه حثّ وحضّ وتحريض على النّهي عن المنكر والأمر بالمعروف ، ولا يُحمَل على ظاهرِه ؛ لأنّ الإنسان لا يجوز أن يُلْقِيَ بنفسِه إلى التَّهلُكة ، معتمِدا على أنّ الأجل مقدَّر ، وأن الرِّزق مقسوم ، وأنّ الإنسان مَتى غلب على ظنّه أنّ الظالم يقتله ويقيم على ذلك المنكر ، ويضيف إليه منكرا آخَر لم يَجُزْ له الإنكار .
فأمّا كلمة العدل عند الإمام الجائر فنحو ما رُوِيَ أنّ زيدَ بن أرقَم رأى عبيد اللّه بن زياد ـ ويقال : بل يزِيد بن معاوية ـ يَضرِب بقضيبٍ في يده ثَنايَا الحُسين عليه السلام حيث حمِل إليه رأسُه ، فقال له : إيها ! ارْفَع يدَك ؛ فطالَما رأيتُ رسولَ اللّه صلى الله عليه و آله وسلميقبّلها!
فأمّا قولُه عليه السلام : «ومنهم المنكِر بلسانِه وقلبِه ، والتارِكُ بيَدِه ، فذلك متمسِّك بخصْلتين من خصال الخير ، ومضيِّع خَصْلة» ، فإنّه يَعنِي به من يَعجِز عن الإنكار باليد لمانع ، لأنّه لم يُخرِج هذا الكلامَ مخرج الذمّ ، ولو كان لم يَعِن العاجز لَوَجبَ أن يخرج الكلام مَخرَج الذمّ ، لأنّه ليس بمعذور في أن يُنكِر بقلبه ولسانه إذا أخلّ بالإنكار باليد مع القدرة على ذلك ، وارتفاع الموانع . وأمّا قوله : «ضيّع أشرف الخصلتين» فاللاّم زائدة ، وأصلُه «ضيّع أشرَفَ خَصْلتين من الثّلاث » ، لأنّه لا وجهَ لتعريف المعهود هاهنا في الخَصْلتين ، بل تعريف الثّلاث باللاّم أولَى ؛ ويجوز حذفُها من الثّلاث ، ولكن إثباتَها أحسَن ، كما تقول : قلتُ أشرفَ رجلين من الرّجال الثلاثة . وأمّا قوله : «فذلك ميّت الأحياء» ، فهو نهاية ما يكون من الذمّ .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
624

أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ ، إِنَّهُ مَنْ رَأَى عُدْوَاناً يُعْمَلُ بِهِ ، وَمُنْكَراً يُدْعَى إِلَيْهِ ، فَأَنْكَرَهُ بِقَلْبِهِ فَقَدْ سَلِمَ وَبَرِئَ ؛ وَمَنْ أَنْكَرَهُ بِلِسَانِهِ فَقَدْ أُجِرَ ، وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ صَاحِبهِ ؛ وَمَنْ أَنْكَرَهُ بِالسَّيْفِ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَكَلِمَةُ الظَّالِمِينَ هِيَ السُّفْلَى ، فَذلِكَ الَّذِي أَصَابَ سَبيلَ الْهُدَى ، وَقَامَ عَلَى الطَّريق ، وَنُوِّرَ فِي قَلْبِهِ الْيَقِينُ ۱ .

الشّرْحُ:

وقد ذكرْنا فيما تقدّم ، وسنذكر فيما بعدُ من هذا المعنى ما يجب . وكان النهيُ عن المنكَر معروفا في العرب في جاهليّتها ؛ كان في قريش حِلْف الفُضول ، تحالفتْ قبائلُ منها على أن يَردَعُوا الظالم ، ويَنصُروا المظلوم ، ويردّوا عليه حقَّه ما بلَّ بحرٌ صوفة ، وقد ذكرنا فيما تقدّم .

۳۸۰

الأصْلُ:

۰.وقال عليه السلام في كلام آخر له يجري هذا المجرى :
فَمِنْهُمُ الْمُنْكِرُ للْمُنْكَرِ بيَدِهِ وَلِسَانِهِ وَقَلْبهِ ، فَذَلِكَ الْمُسْتَكْمِلُ لِخِصَالِ الْخَيْرِ ؛ وَمِنْهُمُ الْمُنْكِرُ بِلِسَانِهِ وَقَلْبهِ وَالتَّارِكُ بِيَدِهِ ، فَذلِكَ مُتَمَسِّكٌ بِخَصْلَتَيْنِ مِنْ خِصَالِ الْخَيْرِ ، وَمُضَيِّعٌ خَصْلَةً ؛ وَمِنْهُمُ الْمُنْكِرُ بِقَلْبِهِ ، وَالتَّارِكُ بيَدِهِ وَلِسَانِهِ ، فَذلِكَ الَّذِي ضَيَّعَ أَشْرَفَ الْخَصْلَتَيْنِ مِنَ الثَّـلاَثِ ، وَتَمَسَّكَ بوَاحِدَةٍ ؛ وَمِنْهُمْ تَارِكٌ لاِءِنْكَارِ الْمُنْكَرِ بِلِسَانِهِ وَقَلْبِهِ وَيَدِهِ ، فَذلِكَ مَيِّتُ الْأَحْيَاءِ ؛ وَمَا أَعْمَالُ الْبِرِّ كُلُّهَا وَالْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللّهِ عِنْدَ الْأَمْرِ بالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ إِلاَّ كَنَفْثَةٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ ، وَإِنَّ الْأَمْرَ بالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ

1.العدوان : الظلم . أنكر المنكر : عابه ونهى عنه . برئ ، أي برئ من الإثم وسلم من العقاب إن كان عاجزا . أُجِر : أُثيب . أصاب : أدرك .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5799
صفحه از 800
پرینت  ارسال به