الرَّعِيَّةِ عَلَى الْوَالِي ، فَرِيضةٌ فَرَضَهَا اللّهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ لِكُلٍّ عَلَى كُلٍّ ، فَجَعَلَهَا نِظَاماً لاُلفَتِهِمْ ، وَعِزّاً لِدِينِهِمْ ، فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِصَلاَحِ الْوُلاَةِ ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ إِلاَّ بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ ، فَإِذَا أَدَّتِ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ ، وَأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ ، وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ ، وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ ، وَجَرَتْ عَلَى أَذْلاَلِهَا السُّنَنُ ، فَصَلَحَ بِذلِكَ الزَّمَانُ ، وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ ، وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الأعْدَاءِ .
وَإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا ، أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ ، اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ ، وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ ، وَكَثُرَ الاْءِدْغَالُ فِي الدِّينِ ، وَتُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ ، فَعُمِلَ بِالْهَوَى ، وَعُطِّلَتِ الْأَحْكَامُ ، وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ ، فَـلاَ يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ ، وَلاَ لِعَظِيمِ بَاطِلٍ فُعِلَ ! فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الْأَبْرَارُ ، وَتَعِزُّ الْأَشْرَارُ ، وَتَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللّهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْعِبَادِ .
فَعَلَيْكُمْ بِالتَّنَاصُحِ فِي ذلِكَ ، وَحُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ أَحَدٌ ـ وَإِنِ اشتَدَّ عَلَى رِضَى اللّهِ حِرْصُهُ ، وَطَالَ فِي الْعَمَلِ اجْتِهَادُهُ ـ بِبَالِغٍ حَقِيقَةَ مَا اللّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلُهُ مِنَ الطَّاعَةِ لَهُ . وَلكِنْ مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللّهِ عَلَى عِبَادِهِ النَّصِيحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى إِقَامَةِ الْحَقِّ بَيْنَهُمْ . وَلَيْسَ امْرُوء ـ وَإِنْ عَظُمَتْ فِي الْحَقِّ مَنْزِلَتُهُ ، وَتَقَدَّمَتْ فِي الدِّينِ فَضِيلَتُهُ ـ بِفَوْقِ أَنْ يُعَانَ عَلَى مَا حَمَّلَهُ اللّهُ مِنْ حَقِّهِ . وَلاَ امْرُؤٌ ـ وَإِنْ صَغَّرَتْهُ النُّفُوسُ ، وَاقْتَحَمَتْهُ الْعُيُونُ ـ بِدُونِ أَنْ يُعِينَ عَلى ذلِكَ أَوْ يُعَانَ عَلَيْهِ .
الشّرْحُ:
تتكافأ في وجوهها : تتساوى وهي حقّ الوالي على الرعيّة ، وحق الرعيّة على الوالي . وفريضة ، قد روي بالنصب وبالرفع ، فمن رفع فخبر مبتدأ محذوف ، ومن نصب فبإضمار فعل ، أو على الحال . وجرت على أذلالها السّنن ، بفتح الهمزة ، أي على مجاريها وطرقها . وأجحف الوالي برعيّته : ظلمهم . والإدغال في الدين : الفساد . ومحاجّ السنن : جمع محجّة ، وهي جادّة الطريق . قوله : «وكثرت عِلَل النفوس» ، أي تعلّلها بالباطل . واقتحمته العُيون :