7
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

الرَّعِيَّةِ عَلَى الْوَالِي ، فَرِيضةٌ فَرَضَهَا اللّهُ ـ سُبْحَانَهُ ـ لِكُلٍّ عَلَى كُلٍّ ، فَجَعَلَهَا نِظَاماً لاُلفَتِهِمْ ، وَعِزّاً لِدِينِهِمْ ، فَلَيْسَتْ تَصْلُحُ الرَّعِيَّةُ إِلاَّ بِصَلاَحِ الْوُلاَةِ ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ إِلاَّ بِاسْتِقَامَةِ الرَّعِيَّةِ ، فَإِذَا أَدَّتِ الرَّعِيَّةُ إِلَى الْوَالِي حَقَّهُ ، وَأَدَّى الْوَالِي إِلَيْهَا حَقَّهَا عَزَّ الْحَقُّ بَيْنَهُمْ ، وَقَامَتْ مَنَاهِجُ الدِّينِ ، وَاعْتَدَلَتْ مَعَالِمُ الْعَدْلِ ، وَجَرَتْ عَلَى أَذْلاَلِهَا السُّنَنُ ، فَصَلَحَ بِذلِكَ الزَّمَانُ ، وَطُمِعَ فِي بَقَاءِ الدَّوْلَةِ ، وَيَئِسَتْ مَطَامِعُ الأعْدَاءِ .
وَإِذَا غَلَبَتِ الرَّعِيَّةُ وَالِيَهَا ، أَوْ أَجْحَفَ الْوَالِي بِرَعِيَّتِهِ ، اخْتَلَفَتْ هُنَالِكَ الْكَلِمَةُ ، وَظَهَرَتْ مَعَالِمُ الْجَوْرِ ، وَكَثُرَ الاْءِدْغَالُ فِي الدِّينِ ، وَتُرِكَتْ مَحَاجُّ السُّنَنِ ، فَعُمِلَ بِالْهَوَى ، وَعُطِّلَتِ الْأَحْكَامُ ، وَكَثُرَتْ عِلَلُ النُّفُوسِ ، فَـلاَ يُسْتَوْحَشُ لِعَظِيمِ حَقٍّ عُطِّلَ ، وَلاَ لِعَظِيمِ بَاطِلٍ فُعِلَ ! فَهُنَالِكَ تَذِلُّ الْأَبْرَارُ ، وَتَعِزُّ الْأَشْرَارُ ، وَتَعْظُمُ تَبِعَاتُ اللّهِ سُبْحَانَهُ عِنْدَ الْعِبَادِ .
فَعَلَيْكُمْ بِالتَّنَاصُحِ فِي ذلِكَ ، وَحُسْنِ التَّعَاوُنِ عَلَيْهِ فَلَيْسَ أَحَدٌ ـ وَإِنِ اشتَدَّ عَلَى رِضَى اللّهِ حِرْصُهُ ، وَطَالَ فِي الْعَمَلِ اجْتِهَادُهُ ـ بِبَالِغٍ حَقِيقَةَ مَا اللّهُ سُبْحَانَهُ أَهْلُهُ مِنَ الطَّاعَةِ لَهُ . وَلكِنْ مِنْ وَاجِبِ حُقُوقِ اللّهِ عَلَى عِبَادِهِ النَّصِيحَةُ بِمَبْلَغِ جُهْدِهِمْ ، وَالتَّعَاوُنُ عَلَى إِقَامَةِ الْحَقِّ بَيْنَهُمْ . وَلَيْسَ امْرُوء ـ وَإِنْ عَظُمَتْ فِي الْحَقِّ مَنْزِلَتُهُ ، وَتَقَدَّمَتْ فِي الدِّينِ فَضِيلَتُهُ ـ بِفَوْقِ أَنْ يُعَانَ عَلَى مَا حَمَّلَهُ اللّهُ مِنْ حَقِّهِ . وَلاَ امْرُؤٌ ـ وَإِنْ صَغَّرَتْهُ النُّفُوسُ ، وَاقْتَحَمَتْهُ الْعُيُونُ ـ بِدُونِ أَنْ يُعِينَ عَلى ذلِكَ أَوْ يُعَانَ عَلَيْهِ .

الشّرْحُ:

تتكافأ في وجوهها : تتساوى وهي حقّ الوالي على الرعيّة ، وحق الرعيّة على الوالي . وفريضة ، قد روي بالنصب وبالرفع ، فمن رفع فخبر مبتدأ محذوف ، ومن نصب فبإضمار فعل ، أو على الحال . وجرت على أذلالها السّنن ، بفتح الهمزة ، أي على مجاريها وطرقها . وأجحف الوالي برعيّته : ظلمهم . والإدغال في الدين : الفساد . ومحاجّ السنن : جمع محجّة ، وهي جادّة الطريق . قوله : «وكثرت عِلَل النفوس» ، أي تعلّلها بالباطل . واقتحمته العُيون :


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
6

الباب كالواحد منّا يَستحقّ ويُستحقّ عليه ، ولكنّه عليه السلام حذف هذا الكلام المقدّر ، أدبا وإجلالاً للّه تعالى أن يقول : إنه يُستحقّ عليه شيء .
فإن قلت : فما هذه الأُمور التي زعمتَ أنها تُستحقّ على البارئ سبحانه ، وأنّ أمير المؤمنين عليه السلام حذفها من اللفظ ، واللفظ يقتضيها؟
قلت : الثواب ، والعوض ، وقبول التوْبة ، واللّطف ، والوفاء بالوعد ، والوعيد ، وغير ذلك مما يذكُره أهلُ العدل .
فإن قلت : أليس يُشعر قوله عليه السلام : «وجعل جزاءهم عليه مضاعفة الثواب تفضّلاً منه » بمذهب البغداديين من أصحابكم ، وهو قولهم : إن الثواب تفضّل من اللّه سبحانه ، وليس بواجب!
قلت : لا ، وذلك لأنّه جعل المتفضَّل به ، هو مضاعفة الثواب ، لا أصل الثواب ، وليس ذلك بمستنكَر عندنا .
فإن قلت : أيجوز عندكم أن يستحقّ المكلّف عشرة أجزاء من الثّواب فيعطى عشرين جزءاً منه؟ أليس من مذهبكم أنّ التعظيم والتّبجيل لا يجوز من البارئ سبحانه أن يفعلهما في الجنّة إلاّ على قدر الاستحقاق ، والثواب عندكم هو النفع المقارن للتعظيم والتبجيل؟ فكيف قلت : إن مضاعفة الثواب عندنا جائزة؟
قلت : مراده عليه السلام بمضاعفة الثواب هنا زيادة غير مستحقّة من النعيم واللذة الجسمانية خاصة في الجنّة ، فسمَّى تلك اللذة الجسمانية ثوابا ؛ لأنَّها جزء من الثواب ، فأمّا اللذة العقلية فلا يجوز مضاعفتها .
قوله عليه السلام : «بما هو من المزيد أهله» ، أي بما هو أهله من المزيد ، فقدّم الجار والمجرور وموضعه نصب على الحال .

الأصْلُ:

۰.ثُمَّ جَعَلَ سُبْحَانَهُ مِنْ حُقُوقِهِ حُقُوقاً افْتَرَضَهَا لِبَعْضِ النَّاسِ عَلَى بَعْضٍ ، فَجَعَلَهَا تَتَكَافَأُ فِي وُجُوهِهَا ، وَيُوجِبُ بَعْضُهَا بَعْضاً ، وَلاَ يُسْتَوْجَبُ بعْضُهَا إِلاَّ بِبَعْضٍ .
وَأَعْظَمُ مَا افْتَرَضَ ـ سُبْحَانَهُ ـ مِنْ تِلْكَ الْحُقُوقِ حَقُّ الْوَالِي عَلَى الرَّعِيَّةِ ، وَحَقُّ

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5636
صفحه از 800
پرینت  ارسال به