هذا قسم آخر من الاختلاف غير الأوّل . قوله عليه السلام : «وزاكى العمل قبيح المنظر » يريد بزكاء
أعماله حسنَها وطهارتَها ، فيكون قد أوقع الحَسن بإزاء القبيح ، وهذا القسم موجود فاش بين الناس . «وقريب القعر بعيد السَّبْر» ، أي قد يكون الإنسان قصير القامة ، وهو مع ذلك داهية باقعة ، والمراد بقربِ قعره تقارب ما بين طرفيْه ، فليست بطنه بمديدة ولا مستطيلة ، وإذا سبرته واختبرت ما عنده وجدتَه لبيبا فَطِناً ، لا يوقَف على أسراره ، ولا يدرك باطنه . «ومعروف الضريبة ، منكر الجليبة» ، الجليبة هي الخلقُ الَّذِي يتكلّفه الإنسان ويستجلبه ، مثل أن يكون جبانا بالطبع فيتكلّف الشجاعة ، أو شحيحاً بالطبع فيتكلف الجود ، وهذا القسم أيضا عام في النّاس .
ثم لما فرغ من الأخلاق المتضادة ذكر بعدها ذوِي الأخلاق والطباع المتناسبة المتلائمة ، فقال : «وتائه القلب متفرق اللّب» ، وهذان الوصفان متناسبان لا متضادّان . ثم قال : « وطليق اللّسان حديد الجَنان» ، وهذان الوصفان أيضاً متناسبان ، وهما متضادان للوصفين قبلهما ، فالأوّلان ذمٌّ ، والآخران مدح .
۲۳۰
الأصْلُ:
۰.ومن كلام له عليه السلام قاله وهو يلي غسل رسول اللّه صلى الله عليه و آله وسلم وتجهيزهبِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللّه ! لَقَدِ انْقَطَعَ بِمَوْتِكَ مَا لَمْ يَنْقَطِعْ بِمَوْتِ غَيْرِكَ مِنَ النُّبُوَّةِ وَالأنبَاءِ وَأَخْبَارِ السَّمَاءِ . خَصَّصْتَ حَتَّى صِرْتَ مُسَلِّياً عَمَّنْ سِوَاكَ ، وَعَمَّمْتَ حَتَّى صَارَ النَّاسُ فِيكَ سَواءً . وَلَوْلاَ أَنَّكَ أَمْرْتَ بِالصَّبْرِ ، وَنَهَيْتَ عَنِ الْجَزَعِ ، لَأَنْفَدْنَا عَلَيْكَ مَاءَ الشُّؤُونِ ۱ وَلَكَانَ الدَّاءُ مُمَاطِلاً ، وَالْكَمَدُ مُحَالِفاً ، وَقَـلاَّ لَكَ ! وَلكِنَّهُ مَا لاَيُمْلَكُ رَدُّهُ ، وَلاَ يُسْتَطَاعُ دَفْعُهُ!