549
تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي

۲۶۰

الأصْلُ:

۰.ومنهُ : إنَّ لِلْخُصُومَةِ قُحَماً .

قال : يريد بالقُحَم المهالكَ ، لأنَّها تُقحم أصحابَها في المهالكِ والمتالفِ في الأكثرِ ، فَمِن ذلك قُحْمَةُ الأعراب ، وهو أن تصيبَهُمُ السنةُ فَتَتَفَرَّقُ أموالهم فذلك تقحُّمُها فِيهِم . قال : وقيل فيه وجه آخر ، وهو أنَّها تُقْحِمُهُمْ بلادَ الرِّيف ، أي تُحوجُهُمْ إلى دخولِ الحضَرِ عند مُحُولِ البَدْوِ .

الشّرْحُ:

أصلُ هذا البِناء للدُّخول في الأمر على غير رويّة ولا تثبُّت ، قَحَمَ الرجلَ في الأمر بالفتح قُحوما ، وأقحَم فلانٌ فرسَه البحرَ فانقحَم ، واقتحَمْتُ أيضا البحرَ دخلتُه مكافحة ، وقَحَم الفرسُ فارِسَه تقحيماً على وجهه ؛ إذا رماه ، وفحلٌ مِقْحَام ، أي يَقتحِم الشَّوْلَ مِن غير إرسالٍ فيها . وهذه الكلمة قالها أميرُ المؤمنين حين وَكَّل عبدَ اللّه بن جعفرٍ في الخصومة عنه ، وهو شاهد .

۲۶۱

الأصْلُ:

۰.ومنهُ : إِذَا بَلَغَ النِّسَاءُ نَصَّ الْحِقَاقِ فَالْعَصَبَةُ أَوْلَى .

قال : ويروى «نصُّ الحقائقِ» ، والنص منتهى الأشياء ومبلغ أقصاها كالنص في السير ، لأنّه أقصى ما تقدر عليه الدابة ؛ وتقول : نصصت الرجل عن الأمر ، إذا استقصيت مسألته لتستخرج ما عنده فيه ، ونص الحقائق يريد به الإدراك ، لأنّه منتهى الصغر ، والوقت الذي يخرج منه الصغير إلى حد الكبير ، وهو من أفصح الكنايات عن هذا الأمر وأغربها ؛ يقول : فاذا بلغ النساء ذلك فالعصَبة أولى بالمرأة من أُمها ، إذا كانوا محرماً ، مثل الإخوة والأعمام ؛ وبتزويجها إن أرادوا ذلك .


تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
548

وذلك لأنّ اليَعسوب فَحْل النَّحْل وَسيِّدها ، وهو أكثرُ زمانه طائرٌ بجَناحَيه ، فإذا ضرَب بذَنَبه الأرضَ فقد أقام وَتَرَك الطَّيَران والحركة .
فإن قلت : فهذا يُشيد مذهبَ الإماميّة في أنّ المهديّ خائف مستِتر ينتقل في الأرض ، وأنّه يظهر آخر الزمان ويثبت ويقيم في دار ملكه .
قلت : لا يبعد على مذهبنا أن يكون الإمام المهديّ الذي يظهر في آخر الزمان مضطرب الأمر ، منتشرُ المُلك في أوّل أمرِه لمصلحة يَعلَمها اللّه تعالى ، ثمّ بعد ذلك يثبَّت مُلكُه ، وتنتظم أمورُه .
وقد وردتْ لَفظةُ اليَعْسوب عن أمير المؤمنين عليه السلام في غير هذا الموضع ، قال يومَ الجمل لعبد الرحمن بنِ عتّاب بن أسيد وقد مرّ به قتيلاً : «هذا يَعْسوب قريش » ، أي سيِّدُها .

۲۵۹

الأصْلُ:

۰.وفي حديثه عليه السلام : هَذا الْخَطِيبُ الشَّحْشَحُ .

قالَ [ الرضي رحمه الله] : يُريدُ الماهرَ بالخطبةِ ، الماضيَ فِيها ، وكل ماضٍ في كَلاَمٍ أو سَيْرٍ فَهُوَ شَحْشحٌ ، والشَّحْشَحُ في غَيرِ هذا المَوْضع : البَخِيلُ المُمْسِكُ .

الشّرْحُ:

قد جاء الشَّحْشح بمعنى الغَيُور والشحْشَح بمعنى الشُّجاع ، والشَّحْشَح بمعنى المواظِب على الشيء الملازِم له ، والشَّحْشَح : الحاوِي ، ومِثله الشَّحْشحان .
وهذه الكلمة قالها عليٌّ عليه السلام لصَعْصة بن صُوحان العبديِّ رحمه الله ، وكَفَى صعصعةُ بها فخرا أن يكون مِثل عليٍّ عليه السلام ، يُثنِي عليه بالمهارة وفَصاحة اللّسان ؛ وكان صَعصعةُ من أفصَح الناس ، ذكَرَ ذلك شيخُنا أبو عثمانَ الجاحظ ۱ .

1.البيان والتبيين ۱ : ۹۷ .

  • نام منبع :
    تهذيب «شرح نهج البلاغة» لإبن أبي الحديد المعتزلي
    سایر پدیدآورندگان :
    عبد الحمید بن هبة الله ابن ابی الحدید، به کوشش: سید عبد الهادی شریفی
    تعداد جلد :
    2
    ناشر :
    انتشارات دارالحدیث
    محل نشر :
    قم
    تاریخ انتشار :
    1384
    نوبت چاپ :
    اول
تعداد بازدید : 5755
صفحه از 800
پرینت  ارسال به